( دور الجنة تبنيها الملائكة بالذكر ) .. حديثٌ لا أصـل لـه !

( دور الجنة تبنيها الملائكة بالذكر ) .. حديثٌ لا أصـل لـه !
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخوتي في الله

-حفظكم الله ورعاكم-

رأيتُ في منتدانا العزيز حديثاً منسوباً إلى حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قام بنقله بعض أعضائنا الكرام بحسن نية منه ، ولهذا الحديث رواجٌ في المنتديات والشبكة العنكبوتية ، وإليكم بيان حاله بتوفيق الله ومنّه :


أولاً : (نص الحديث) :


(لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة , فرأيت فيها قيعاناً يققاً من مسك فرأيت فيها قيعاناً يققاً من مسك , ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وربما أمسكوا ، فقلت لهم : مالكم ربما بنيتم وربما أمسكتم ؟

قالوا: حتى تأتينا النفقة .

قلتُ : وما نفقتكم ؟

قالوا: قول المؤمن : ((سبحان ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر)) فإذا قالهن بنينا، وإذا سكت وأمسك أمسكنا) .

وهو منتشر في الإنترنت بهذا اللفظ :

(أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى وهو في السماء في رحلة المعراج ملائكة يبنون قصراً لبنة من ذهب ولبنة من فضة ثم رآهم و هو نازل قد توقفوا عن البناء فسأل لماذا توقفوا ؟ قيل أنهم يبنون القصر لرجل يذكر الله فلما توقف عن الذكر توقفوا عن البناء في انتظار أن يعاود الذكر ليعاودوا البناء)


داوموا على ذكر الله

ولا تتوقفوا

أنشر الخير و لا تنس إحتساب الأجر و النيه

اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت ,اللهم اني اعوذ بعزتك ,لا اله الا انت الحي الذي لا يموت


ملحوظه:تخيل اخي واختي لو انك نشرت هذه الرساله بين عشره من اصدقائك على الاقل؟؟وكل صديق منهم فعل كما فعلت انت وهكذا ؟؟ولكل واحد منهم حسنه,والحسنه بعشر امثالها,انظر كم كسبت من الحسنات في دقيقه واحده او دقيقتين!!!!انشرها اخي واختي ولا تبخل على نفسك بالحسنات؟؟

ثانياً : (هل لهذا الحديث أصل ؟) :

لا نعلم لهذا الحديث أصلاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا وقفنا عليه مروياً في كتب الحديث النبوي ، ولا رأينا أحداً من علماء الحديث نسبه إليه ، بل لم نجده بعد البحث والتحري حتى في كتب الأحاديث المكذوبة .

قال الإمام ابن القيّم الجوزية رحمه الله تعالى في "الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب" (ص 191-192) وهو يُعدد فوائد الذكر :

(الرابعة والستون أن دُور الجنة تُبنى بالذكر ، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء ، فإذا أخذ في الذكر أخذوا في البناء .

وذكر ابن أبي الدنيا في كتابه ، عن حكيم بن محمد الأخنسي قال : بلغني أن دور الجنة تبنى بالذكر فإذا أمسك عن الذكر أمسكوا عن البناء ، فيقال لهم ، فيقولون : حتى تأتينا نفقة) ا.هـ

ويُستفاد من هذا أنه لا أصل لهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلا لذكره العلامة ابن القيم ولكان ذكره أولى من هذا الأثر ، ثم إن هذا الأثر المذكور بلا إسناد لا يُعتمد عليه أصلاً في مثل هذه الأمور الغيبية .

ثم وجدتُ الحديث في مراجع غير أهل السنة والجماعة ، فقد أخرجه الطوسي في الأمالي (2/88) عن أبيه قال أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا إسحاق بن محمد بن مروان بن زياد الكوفي ببغداد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا يحيى بن سالم الفرا عن حماد بن عثمان عن جعفر بن محمد عن آبـائه عن علي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم مرفوعاً .

وهـذا إسنـادٌ ضعيـفٌ جـداً بـل مـوضـوع ، فـيه :

1.محمد بن مروان بن زياد القطان الكوفي ، قال الإمام الدارقطني : "حاطب ليل متروكٌ لا يكاد يُحدث عن ثقة" . [سؤالات البرقاني للدارقطني (458)]

2.إسحاق بن محمد بن مروان القطان الكوفي ، قال الإمام الدارقطني : "جعفر وإسحاق ابنا محمد بن مروان القطان الكوفي ليسا ممن يُحتج بحديثهما" ،وقال الحجاجي : "كانوا يتكلمون فيه" . [تاريخ بغداد (6/390-391)]

3.أبو المفضل وهو محمد بن عبد الله بن عبيد الله الشيباني الكوفي ، كذّاب دجّال يضع الحديث ويحدّث بالغرائب وبما لا أصل له ، اتهمه بذلك أئمة الحديث كالدارقطني وحمزة الدقاق والأزهري وغيرهم . [تاريخ بغداد (3/86-87)]


ولهذا الحديث المفترى أسانيد واهية أخرى لا تقوم بها الحجة البتة ، يرويها الكذابون عن جعفر الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرسلاً ، ومعلوم أن بين جعفر الصادق ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راويان على الأقل ، فإذا صحّ السند إلى الإمام جعفر فإن ما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة يكون في حكم المراسيل المنقطعة والمعضلة التي لا حجية فيها ، كيف وقد كثر الكاذبون على الإمام جعفر الصادق حتى قيل : " ما كُذب على أحد مثل ما كُذب على جعفر رضي الله عنه"، لأن كلّ من أراد تسويق أكاذيبه وأباطيله نسبها إلى العترة الطاهرة كالإمام جعفر الصادق ، والإمام جعفر الصادق رحمه الله تعالى بريء منهم كل البراءة .

ويُضاف إلى ما سبق أن مجريات ليلة الإسراء والمعراج مسطّرة في كتب أهل العلم لا سيما في مراجع الحديث النبوي ، ومع هذا لا نجد أي ذكر لهذه القصة الغريبة فيها ، مما يدل على نكارتها وبطلانها .

والخلاصة أن هذا الحديث كذب لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

ثالثاً : (كلام أهل العلم حولها) :

قال الشيخ عبد الرحمن السحيم حفظه الله تعالى :

(لا أعلم له أصلا

والذي ورد في الأحاديث بناء البيت أو القصر وليس فيه أن كل لبنة بنوع من الذكر أو بتسبيحة ونحو ذلك

ومن الأعمال التي جاء فيها بناء بيت لمن عملها :

قراءة سورة الإخلاص ( قل هو الله أحد ) عشر مرات

والمحافظة على السنن الرواتب ( 12 ركعة في كل يوم )


وليس فيها البناء بالتقسيط !

بخلاف غراس الجنة ، فإن من قال : سبحان الله وبحمده ؛ غُرست له نخلة في الجنة . كما عند الترمذي .

قال رسول الله : لقيت إبراهيم ليلة أسري بي ، فقال : يا محمد أقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان ، وأن غراسها : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . رواه الترمذي .


والأصل أنه لا يُنسب قول إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد ثبوته عنه عليه الصلاة والسلام .

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في فوائد الذِّكْـر : فقال :

الرابعة والستون :

أن دور الجنة تبنى بالذِّكر ـ فاذا امسك الذّاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء . ذكر ابن ابي الدنيا في كتابه عن حكيم بن محمد الاخنسي قال : بلغني أن دور الجنة تبنى بالذِّكر ، فاذا أمسك عن الذِّكر أمسكوا عن البناء ، فيقال لهم ، فيقولون : حتى تاتينا نفقة . اهـ .

ومثل هذا النقل لا يُمكن أن يُبنى عليه حُـكم غيبي كهذا .

والله أعلم)ا.هـ

***

مركز الفتوى بالشبكة الإسلامية بإشراف الشيخ عبد الله الفقيه حفظه الله :

السؤال :

ما مدى صحة هذا الحديث: (رأى النبي عليه الصلاة والسلام وهو في السماء في رحلة المعراج ملائكة يبنون قصراً لبنة من ذهب ولبنة من فضة ثم رآهم وهو نازل قد توقفوا عن البناء فسأل لماذا توقفوا؟ قيل له إنهم يبنون القصر لرجل يذكر الله فلما توقف عن الذكر توقفوا عن البناء في إنتظار أن يعاود الذكر ليعاودوا البناء)؟ ارجو الافاده

الجواب :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإننا لم نجد هذا الحديث بعد البحث في كتب الحديث المتوفرة لدينا. والله أعلم .

المصدر

رابعاً : (ما يغني عن الحديث) :

وردت أحاديث نبوية عديدة فيها بناء بيت أو قصر في الجنة جزاء لمن قام بأعمال معينة ، ويُنظر هذا الرابط المفيد :

23 وسيلة (لمن ابتغي غرفة أو خيمة أو بيتا أو قصرا في الجنة)


***

وبعد هذا التفصيل لحال الحديث فإنه لا يجوز ذكره أو نشره أو إذاعته بين الناس إلا للتحذير منه وبيان أنه كذب مفترى، وإلا حُشرنا في زمرة الكاذبين على سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعاذنا الله وإياكم من ذلك .

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

(مـن يـقـل عليّ مـا لـم أقـل فليتبوأ مقعـده من النـار)

[أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (109)]

والله تعالى أعلى وأعلم .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

مع تحياتي

جزاااااااااك الله خيرا