- mada is lifeنائب المدير الاول
- عدد المساهمات : 3082
تاريخ التسجيل : 16/09/2010
العمر : 29
الموقع : https://choob.yoo7.com
ميلاده ميلاد أمة سعدت بميلادها الأمم
الجمعة يوليو 01, 2011 4:15 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>ميلاده ميلاد أمة سعدت بميلادها الأمم
</H1></H1></H1></H1></H1></H1></H1></H1></H1>
أحمد عبد الحميد عبد الحق
كما أنه ليس من المصادفة أن يكون ميلادُ المسيح عليه السلام -الذي سبق مجيءَ رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم بأكثر من خمسة قرون- في أواخر فصل الخريف وأوائل الشتاء، حيث تجف الأشجار، وتتساقط أوراقها مستعدةً لبدء حياة جديدة مع إهلال فصل الربيع..
ذلك لأن ميلاد المسيح عليه السلام من غير أبٍ كان فتنةً سقط في اختبارها الكثيرُ من البشر، خاصة وقد استطاع اليهود فيما بعد تحويلَ الناس من الاقتناع بكونه رسولا قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام إلى شخصية تتستر فيها الذاتُ الإلهية -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا- ترضى بأن تقتل وتصلب ويغرس فيها الشوك على يد بعض الجنود، من أجل ماذا؟ من أجل أن تكفر عن البشرية خطأ أبيها آدم (الأكل من الشجرة!) هذا الخطأ الذي وقع فيه في حالة استغواء من الشيطان، ثم ندم وتاب منه بعد أن استفاق لنفسه فتاب الله عليه..
أقول: سقط في هذه الفتنة كثير من البشر؛ إضافة إلى من غلبتهم الأوهام فصاروا يعبدون الأوثان والأصنام والأهواء، ولم يبق إلا قلة قليلة من البشر استقر في قلبها التوحيدُ دون أن يظهر له كبيرُ أثر على مقومات حياتها، تمامًا كجذور الأشجار في فصل الشتاء التي تكمن فيها الحياة من الداخل دون أن نلمس لذلك أثرًا على أغصانها؛ حتى إذا ما حل الربيع سرت قوةُ الحياة الكامنة بها فأورقت وأزهرت وأثمرت..
نعم إن ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه كان بمثابة تلك القوة التي حركت التوحيد (الفطرة النقية) في قلوب الناس بعد أن أزالت عنها الغشاوة التي تراكمت عليها على مر السنين[1]، وذلك بتصحيح نظرة الناس إلى ذات الله سبحانه وتعالى، فهو ليس كمثله شيء، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به العقول، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يمكن أن يتخيله بشر، ولم يلد ولم يولد، والناس على اختلاف أجناسهم سواسية عنده، لا يربطه بأحد منهم نسب أو قربى إلا العمل الصالح، النفع والضر بيديه، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.
وبذلك قطع السبيل عن المتألهين في الأرض بغير الحق بعد أن بين أنهم لا يملكون لأنفسهم -فضلا عن غيرهم- نفعًا ولا ضرًّا، كما قطع السبيل على الذين حاولوا أن يحتكروا الدين لهم دون سواهم، وأقنعوا الناس أنه لا يستطيع أحدٌ أن يصل إلى الله إلا عن طريقهم، والخضوع على عتبتهم بعد أن أبان للجميع أنه لا أحدَ من الناس يربطه بالله سبحانه وتعالى نسبٌ أو قربى، وأن الجميع يوم القيامة من عذابه مشفقون..
وبذلك التوحيد الخالص أقبل الناس على الحياة وهم مطمئنون على أرزاقهم، وعلى حياتهم، لا يخافون من مجهول، ولا يرهبون من حاضر غير الله سبحانه وتعالى، لا يداخلهم الشك، ولا يعتريهم القلق، بعد أن علمهم محمد صلى الله عليه وسلم أن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، وما أصابهم لم يكن ليخطئهم[2] وبعد أن رسخ في قلوبهم أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها[3].
فجدوا وكدوا، وسَعَوا وعمروا، آخذين من الحياة بأسبابها بعد أن بيَّن لهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثوابَ السعي عند الله سبحانه وتعالى.
ومن توحيد الله سبحانه وتعالى انتقل صلى الله عليه وسلم بالناس إلى توحيد القلوب، فأزال ما بينها من تنافر وشحناء وتفرق واختلاف، فألف -بعون الله- بينها[4] فصار أتباعه إخوانًا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحمى[5].
ورأينا منهم من يجوع ليطعم أخاه، ومن يعرى ليكسو أخاه، ومن يظمأ ليروي أخاه، وليس هذا من باب المبالغة في القول، إنما هو مما أثبته الله لهم في كتابه الكريم، إذ قال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]..
فعَمَّ الحب والوئام بين سكان المدينة على اختلاف طوائفهم (الأوسي والخزرجي والرومي والفارسي والحبشي والقرشي إضافة إلى من أسلم معهم من اليهود، ومن هاجر إليهم من الأعراب).
وشيئًا فشيئًا بدأ صلى الله عليه وسلم ينتقل بهذا التوحيد بين القلوب تحت شعار المؤاخاة من داخل يثرب المدينة إلى سائر أنحاء الجزيرة العربية، فوثق عراها، ونظمها في عقد واحد، هو عقد الإسلام، فصارت لأول مرة في التاريخ يجتمع سكانُها تحت قيادة واحدة، تدين له بالولاء والطاعة، ويستوي فيها الناس جميعًا أمام شرع الله، الذكر والأنثى، الأبيض والأسود، الملك والسوقة..
وقصة أبي ذر الغفاري وبلال رضي الله عنهما خير شاهد على ذلك، إذ قال الأول للثاني ذات يوم: يا ابن السوداء! فأتى بلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فغضب صلى الله عليه وسلم، وقال لأبي ذر: "أنت الذي تعير بلالا بأمه؟! والذي أنزل الكتاب على محمد ما لأحد على أحد فضل إلا بالعمل الصالح، إن أنتم إلا كطف الصاع"[6] فراح أبو ذر يترجى بلالا أن يسامحه ويعفو عن إساءته إليه.
وكذلك قصة جبلة بن الأيهم آخر ملوك بني غسان الذي وطئ إزارَه رجلٌ من بني فزارة في موسم الحج، فلطمه جبلة فاستحضره عمر فاعترف بلطمه، فقال له عمر: أقدته منك؟ فقال: كيف وأنا ملك وهو سُوقة، فقال عمر رضي الله عنه: إن الإسلام جمعك وإياه، فلست تفضله إلا بالتقوى[7].
وامتدت هذه المساواة أمام الشرع لتشمل كل رعايا الدولة الإسلامية، ومثال على ذلك ما جاء في الوثيقة التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين ويهود يثرب عند تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة، إذ ورد فيها: "إن يهود.... أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته..".
ولما سرق أحد المنافقين دروعًا ليهودي وجاء قومُه (أي المنافق) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إن هؤلاء عمَدوا إلى أهل بيت هم أهل صلاح ودين، فاتهموهم بالسرقة ورموهم بها من غير بينة، وجعلوا يجادلون عنه، أنزل الله تعالى في شأنهم قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 107] أي لا تدافعوا عمن ارتكب مثل هذا الجرم، ولو كان ضد غيركم..
وامتلك كل واحد منهم الجرأة على المطالبة بحقه دون وجل ولو من أعلى سلطة في الدولة؛ حتى رأينا الأعرابي يقف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: أعطني من مال الله الذي عندك، فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك؛ فيقابله رسول الله صلى الله عليه وسلم بابتسامة لطيفة..
ورأينا قاتل أخي الخليفة عمر رضي الله عنه يأتي إليه بعد أن أسلم ويقول له أمام الملأ -لما أخبره عمر بأنه لا يحبه- أبغضك إياي يمنعك حقا من حقوقي؟ فقال عمر: لا، فيرد عليه بغلظة: إنما يبكي على الحب النساء، كأنه في غنى عن حب عمر له!
وتلك الجرأة إذا كانت قد زادت عن حدها عند بعض الأعراب حديثي الإسلام، إلا أنهم سرعان ما كان يرق طبعُهم بعد أن يصبغهم الإسلام بالأخلاق الكريمة، مثل احترام الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير[8] والإحسان إلى الجيران، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والتحلي بالوفاء بالعهد والصدق والأمانة والكرم والعفة والطهارة، وحسن الحديث.. والتخلق بالقيم النبيلة، ونصرة المظلومين، وحفظ السمع والبصر والفؤاد عما يغضب الله..
نعم ارتقى النبي صلى الله عليه وسلم بالعرب إلى تلك الفضائل، بل وحتى قواعد الصحة الأساسية لم يغفل صلى الله عليه وسلم عن تدريبهم عليها، فحثهم على نظافة البدن والملابس والبيوت والطرق، والتجمل والتزين والتعطر[9] حتى قال أحد قادة الفرس فيما بعد: عَلَّم هؤلاء حتى تعلموا.
وسما بأخلاقهم حتى وصلت إلى الرفق بالحيوان ورحمته، وذلك بعد أن علمهم صلى الله عليه وسلم أن سقي الكلب الظمآن يدخل الجنة، وحبس الهرة عن الطعام يوجب العذاب في النار..
فضلا عن حثهم على العناية بالنبات والأشجار وعدم إتلافها، وعدم تلويث الماء والتربة والهواء.. وكل ذلك بتوجيه منه صلى الله عليه وسلم، وبوحي من الله إليه.
تَحَلَّوْا بكل ذلك بعد أن كانوا كما قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي: "أهل جاهلية يعبدون الأصنام، ويأكلون الميتة، ويأتون الفواحش، ويقطعون الأرحام، ويسيئون الجوار، ويأكل القوي منهم الضعيف.."[10].
يقول آرلونوف في مقالة له بعنوان "النبي محمد" منشورة بمجلة الثقافة الروسية ج 7 عدد 9: "في شبه جزيرة العرب المجاورة لفلسطين ظهرت ديانة، أساسها الاعتراف بوحدانية الله، وهذه الديانة تعرف بالمحمدية، أو كما يسميها أتباعها الإسلام، وقد انتشرت هذه الديانة انتشاراً سريعاً، ومؤسس هذه الديانة هو العربي محمد –صلى الله عليه وسلم- وقد قضى على عادات قومه الوثنية، ووحد قبائل العرب، وأثار أفكارهم وأبصارهم بمعرفة الإله الواحد، وهذب أخلاقهم ولين طباعهم وقلوبهم وجعلها مستعدة، للرقي والتقدم، ومنعهم سفك الدماء ووأد البنات[11].
وصار العرب بفضله صلى الله عليه وسلم كأنهم ولدوا من جديد، وحملوا من بعده الرسالة (التي تتمثل في إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام) لينقلوها إلى ممالك فارس والروم والهند والصين وغيرها، وإذا بملوك وأمراء تلك الممالك يصابون بالذهول، ولسان حالهم يقول: "هؤلاء العرب الذين ألفيناهم على مر العصور يأكل بعضهم بعضًا، ومن أحس في نفسه بالعظمة لم يكن يحلم بأكثر من أن يكون من موالي الفرس أو الروم، يأتمر بأمرهم، ويحكم ما تحت يده باسمهم، يتحولون إلى قوة لا يصمد لها صامد، ولا يثنيهم عن بلوغ مآربهم شيء".
فهذا رستم قائد الفرس في وقعة القادسية يقول لرسل سعد بن أبي وقاص إليه: "إنكم معشر العرب كنتم أهل شقاء وجهد، وكنتم تأتوننا من بين تاجر وأجير ووافد، فأكلتم من طعامنا وشربتم من شرابنا، واستظللتم من ظلالنا، فذهبتم فدعوتم أصحابكم ثم أتيتمونا بهم..
وحسب المسكين أولاً أن الذي حركهم إليه هو الجوع (الذي يسميه المؤرخون الماديون العامل الاقتصادي) فقال: "قد أعلم أن الذي حملكم على هذا معشر العرب الجهد الذي قد أصابكم فارجعوا عنا عامكم هذا، فإنكم قد شغلتمونا عن عمارة بلادنا وعن عدونا، ونحن نوقر لكم ركائبكم قمحًا وتمرًا، ونأمر لكم بكسوة"، وإذا بالمغيرة بن شعبة رضي الله عنه يصحح له خطأه، ويطلعه على الدين الذي أحياهم من جديد، فقال له: ".. لا تذكر لنا جهدًا إلا وقد كنا في مثله أو أشد منه، أفضلنا في أنفسنا عيشًا الذي يقتل ابن عمه، ويأخذ ماله فيأكله، نأكل الميتة والدم والعظام، فلم نزل كذلك حتى بعث الله فينا نبيا..
فيزداد رستم ذهولا على ذهوله فيقول: "ما كنت أظن أني أعيش حتى أسمع منكم هذا معشر العرب"!.
وهذا عمرو بن عبد المسيح أحد أمراء الحيرة يقول لما رأى سرعة انتصارات جيوشهم: "لم أر كاليوم أمراً أوضح إقبالاً.. والله يا معشر العرب لتملكن ما أردتم ما دام منكم أحد أيها القرن (يقصد جيل الصحابة). وعمرو بن عبد المسيح لم يقل ذلك الكلام إلا بعد أن عُمِّر ما يزيد على مائة عام، وتعلم من تجارب الحياة ومشاهدتها، ورأى من سير الملوك والأمراء ما استخلص منه نظريته تلك، فقد وصلت الأمم المعاصرة له إلى درجة من التردي لا تسمح لها بالبقاء مع ظهور هذا الجيل الرباني الجديد "جيل المسلمين".
وأكد رستم نظريته تلك لما أُتِي بأعرابي خطفه بعض جنده فسأله عن سر تقدم المسلمين السريع فقال له الأعرابي: أعمالكم وضعتكم فأسلمكم الله بها، فلا يغرنك من ترى حولك، فإنك لست تجاول الإنس إنما تجاول القضاء والقدر، فلم يتحمل وقع كلماته عليه فضرب عنقه، ثم سار بجيوشه فنزل مكانًا يسمى "البرس" فاغتصب أصحابه أبناء الأهالي وأموالهم، وصاروا يقعون على نسائهم، فلما ضج أهلها إليه يشكون ما يلقون، قام إلى جنده فقال : يا معشر فارس، والله لقد صدق العربي، والله ما أسلمَنا إلا أعمالُنا، والله إن العرب مع هؤلاء (يقصد العوام من أهل دولته) وهم لهم حرب أحسنُ سيرةً منكم، إن الله كان ينصركم على العدو، ويمكن لكم في البلاد بحسن السيرة وكف الظلم والوفاء والإحسان، فإذا تغيرتم فلا أرى الله إلا مغيراً ما بكم، وما أنا بآمن من أن ينزع الله سلطانه منكم[12].
وبالفعل فقد نزع الله سلطانهم كما نزع سلطان الروم الذين شاركوهم البغي على الناس، وتحررت رعايا البلاد التي كانت تئن تحت وطأتهم، فسارعوا إلى الدخول في دين الله أفواجًا، بعد أن أُزيل عن كاهلهم نِيرُ الحكم الجائر، وخاصة من طبقة العمال والفلاحين الذين لقوا من المجاهدين المسلمين أحسن المعاملة؛ استجابة لأمر خلفاء المسلمين الذين كانوا يوصون بالإحسان إليهم، وعدم التعرض لهم أو لممتلكاتهم بسوء.
ونتج عن تحررهم أن أقبلوا على الحياة بقلوب منشرحة، فأقبل منهم على الإنتاج في شتى الحرف المختلفة من أقبل، وأقبل منهم على تعلم فنون العلم المختلفة من أقبل، وأتيحت أمامهم كل الفرص التي كانت حكرًا على طبقة النبلاء من قبل، فحدث ما يمكن أن يُسمى طفرة علمية وحضارية، وحققت البشرية في قرون قليلة ما لم تحققه في تاريخها الطويل في شتى فنون الرقي والتقدم العلمي..
هذه الطفرة التي لولاها ما وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه الآن، وبشهادة بعض العلماء الغربيين أنفسهم، تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: "إننا نقف الآن دهشين متعجبين أمام تطور الصواريخ، دون أن نسأل أنفسنا إلى من ندين بهذا الاختراع"[13] وذلك بعد حديثها عن تطور الأسلحة عند المسلمين.
ويقول السير جون هامرتن: "وقد كان لعلوم الشرق وفنونه وخدماته العامة، وطرائق نظمه الحكومية، وصناعاته التي بلغت حداً كبيراً من التقدم والإتقان، وأساليب الترف والرفاهية التي اختصت بها الطبقات العليا في حياتها الخاصة، آثار نافذة بعيدة المدى في أوربا إبان العصر الصليبي"[14].
ويقول مسيو شارل بلان: "أرى من غير مبالغة أنه لم يكن لأمة من التأثير في أمة مثل ما للعرب في أوربا، وذلك خلافاً لما يُسار عليه اليوم"[15].
فما أحوجَ العالمَ الآن إلى هدي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ليعيده إلى الطريق القويم، ويخرجه من أزماته، ويحل له مشاكله كما قال المفكر الإنجليزي برنارد شو!!.
</H1>
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>
<H1 class=larger2Font dir=rtl>ميلاده ميلاد أمة سعدت بميلادها الأمم
</H1></H1></H1></H1></H1></H1></H1></H1></H1>
أحمد عبد الحميد عبد الحق
ليس من قبيل المصادفة أن يكون ميلادُ رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في أواسط فصل الربيع (شهر إبريل) إذ تورق الأشجار، وتتفتح الأزهار استعدادًا لتكوين الثمار، وتُزين الأرض بالخضرة النضرة، ويعتدل الجو فتعم البهجة، وتزداد النفس البشرية حيوية ونشاطًا..
كما أنه ليس من المصادفة أن يكون ميلادُ المسيح عليه السلام -الذي سبق مجيءَ رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم بأكثر من خمسة قرون- في أواخر فصل الخريف وأوائل الشتاء، حيث تجف الأشجار، وتتساقط أوراقها مستعدةً لبدء حياة جديدة مع إهلال فصل الربيع..
ذلك لأن ميلاد المسيح عليه السلام من غير أبٍ كان فتنةً سقط في اختبارها الكثيرُ من البشر، خاصة وقد استطاع اليهود فيما بعد تحويلَ الناس من الاقتناع بكونه رسولا قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام إلى شخصية تتستر فيها الذاتُ الإلهية -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا- ترضى بأن تقتل وتصلب ويغرس فيها الشوك على يد بعض الجنود، من أجل ماذا؟ من أجل أن تكفر عن البشرية خطأ أبيها آدم (الأكل من الشجرة!) هذا الخطأ الذي وقع فيه في حالة استغواء من الشيطان، ثم ندم وتاب منه بعد أن استفاق لنفسه فتاب الله عليه..
أقول: سقط في هذه الفتنة كثير من البشر؛ إضافة إلى من غلبتهم الأوهام فصاروا يعبدون الأوثان والأصنام والأهواء، ولم يبق إلا قلة قليلة من البشر استقر في قلبها التوحيدُ دون أن يظهر له كبيرُ أثر على مقومات حياتها، تمامًا كجذور الأشجار في فصل الشتاء التي تكمن فيها الحياة من الداخل دون أن نلمس لذلك أثرًا على أغصانها؛ حتى إذا ما حل الربيع سرت قوةُ الحياة الكامنة بها فأورقت وأزهرت وأثمرت..
نعم إن ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه كان بمثابة تلك القوة التي حركت التوحيد (الفطرة النقية) في قلوب الناس بعد أن أزالت عنها الغشاوة التي تراكمت عليها على مر السنين[1]، وذلك بتصحيح نظرة الناس إلى ذات الله سبحانه وتعالى، فهو ليس كمثله شيء، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به العقول، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يمكن أن يتخيله بشر، ولم يلد ولم يولد، والناس على اختلاف أجناسهم سواسية عنده، لا يربطه بأحد منهم نسب أو قربى إلا العمل الصالح، النفع والضر بيديه، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.
وبذلك قطع السبيل عن المتألهين في الأرض بغير الحق بعد أن بين أنهم لا يملكون لأنفسهم -فضلا عن غيرهم- نفعًا ولا ضرًّا، كما قطع السبيل على الذين حاولوا أن يحتكروا الدين لهم دون سواهم، وأقنعوا الناس أنه لا يستطيع أحدٌ أن يصل إلى الله إلا عن طريقهم، والخضوع على عتبتهم بعد أن أبان للجميع أنه لا أحدَ من الناس يربطه بالله سبحانه وتعالى نسبٌ أو قربى، وأن الجميع يوم القيامة من عذابه مشفقون..
وبذلك التوحيد الخالص أقبل الناس على الحياة وهم مطمئنون على أرزاقهم، وعلى حياتهم، لا يخافون من مجهول، ولا يرهبون من حاضر غير الله سبحانه وتعالى، لا يداخلهم الشك، ولا يعتريهم القلق، بعد أن علمهم محمد صلى الله عليه وسلم أن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، وما أصابهم لم يكن ليخطئهم[2] وبعد أن رسخ في قلوبهم أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها[3].
فجدوا وكدوا، وسَعَوا وعمروا، آخذين من الحياة بأسبابها بعد أن بيَّن لهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثوابَ السعي عند الله سبحانه وتعالى.
ومن توحيد الله سبحانه وتعالى انتقل صلى الله عليه وسلم بالناس إلى توحيد القلوب، فأزال ما بينها من تنافر وشحناء وتفرق واختلاف، فألف -بعون الله- بينها[4] فصار أتباعه إخوانًا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحمى[5].
ورأينا منهم من يجوع ليطعم أخاه، ومن يعرى ليكسو أخاه، ومن يظمأ ليروي أخاه، وليس هذا من باب المبالغة في القول، إنما هو مما أثبته الله لهم في كتابه الكريم، إذ قال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]..
فعَمَّ الحب والوئام بين سكان المدينة على اختلاف طوائفهم (الأوسي والخزرجي والرومي والفارسي والحبشي والقرشي إضافة إلى من أسلم معهم من اليهود، ومن هاجر إليهم من الأعراب).
وشيئًا فشيئًا بدأ صلى الله عليه وسلم ينتقل بهذا التوحيد بين القلوب تحت شعار المؤاخاة من داخل يثرب المدينة إلى سائر أنحاء الجزيرة العربية، فوثق عراها، ونظمها في عقد واحد، هو عقد الإسلام، فصارت لأول مرة في التاريخ يجتمع سكانُها تحت قيادة واحدة، تدين له بالولاء والطاعة، ويستوي فيها الناس جميعًا أمام شرع الله، الذكر والأنثى، الأبيض والأسود، الملك والسوقة..
وقصة أبي ذر الغفاري وبلال رضي الله عنهما خير شاهد على ذلك، إذ قال الأول للثاني ذات يوم: يا ابن السوداء! فأتى بلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فغضب صلى الله عليه وسلم، وقال لأبي ذر: "أنت الذي تعير بلالا بأمه؟! والذي أنزل الكتاب على محمد ما لأحد على أحد فضل إلا بالعمل الصالح، إن أنتم إلا كطف الصاع"[6] فراح أبو ذر يترجى بلالا أن يسامحه ويعفو عن إساءته إليه.
وكذلك قصة جبلة بن الأيهم آخر ملوك بني غسان الذي وطئ إزارَه رجلٌ من بني فزارة في موسم الحج، فلطمه جبلة فاستحضره عمر فاعترف بلطمه، فقال له عمر: أقدته منك؟ فقال: كيف وأنا ملك وهو سُوقة، فقال عمر رضي الله عنه: إن الإسلام جمعك وإياه، فلست تفضله إلا بالتقوى[7].
وامتدت هذه المساواة أمام الشرع لتشمل كل رعايا الدولة الإسلامية، ومثال على ذلك ما جاء في الوثيقة التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين ويهود يثرب عند تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة، إذ ورد فيها: "إن يهود.... أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته..".
ولما سرق أحد المنافقين دروعًا ليهودي وجاء قومُه (أي المنافق) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إن هؤلاء عمَدوا إلى أهل بيت هم أهل صلاح ودين، فاتهموهم بالسرقة ورموهم بها من غير بينة، وجعلوا يجادلون عنه، أنزل الله تعالى في شأنهم قوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 107] أي لا تدافعوا عمن ارتكب مثل هذا الجرم، ولو كان ضد غيركم..
وامتلك كل واحد منهم الجرأة على المطالبة بحقه دون وجل ولو من أعلى سلطة في الدولة؛ حتى رأينا الأعرابي يقف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: أعطني من مال الله الذي عندك، فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك؛ فيقابله رسول الله صلى الله عليه وسلم بابتسامة لطيفة..
ورأينا قاتل أخي الخليفة عمر رضي الله عنه يأتي إليه بعد أن أسلم ويقول له أمام الملأ -لما أخبره عمر بأنه لا يحبه- أبغضك إياي يمنعك حقا من حقوقي؟ فقال عمر: لا، فيرد عليه بغلظة: إنما يبكي على الحب النساء، كأنه في غنى عن حب عمر له!
وتلك الجرأة إذا كانت قد زادت عن حدها عند بعض الأعراب حديثي الإسلام، إلا أنهم سرعان ما كان يرق طبعُهم بعد أن يصبغهم الإسلام بالأخلاق الكريمة، مثل احترام الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير[8] والإحسان إلى الجيران، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والتحلي بالوفاء بالعهد والصدق والأمانة والكرم والعفة والطهارة، وحسن الحديث.. والتخلق بالقيم النبيلة، ونصرة المظلومين، وحفظ السمع والبصر والفؤاد عما يغضب الله..
نعم ارتقى النبي صلى الله عليه وسلم بالعرب إلى تلك الفضائل، بل وحتى قواعد الصحة الأساسية لم يغفل صلى الله عليه وسلم عن تدريبهم عليها، فحثهم على نظافة البدن والملابس والبيوت والطرق، والتجمل والتزين والتعطر[9] حتى قال أحد قادة الفرس فيما بعد: عَلَّم هؤلاء حتى تعلموا.
وسما بأخلاقهم حتى وصلت إلى الرفق بالحيوان ورحمته، وذلك بعد أن علمهم صلى الله عليه وسلم أن سقي الكلب الظمآن يدخل الجنة، وحبس الهرة عن الطعام يوجب العذاب في النار..
فضلا عن حثهم على العناية بالنبات والأشجار وعدم إتلافها، وعدم تلويث الماء والتربة والهواء.. وكل ذلك بتوجيه منه صلى الله عليه وسلم، وبوحي من الله إليه.
تَحَلَّوْا بكل ذلك بعد أن كانوا كما قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي: "أهل جاهلية يعبدون الأصنام، ويأكلون الميتة، ويأتون الفواحش، ويقطعون الأرحام، ويسيئون الجوار، ويأكل القوي منهم الضعيف.."[10].
يقول آرلونوف في مقالة له بعنوان "النبي محمد" منشورة بمجلة الثقافة الروسية ج 7 عدد 9: "في شبه جزيرة العرب المجاورة لفلسطين ظهرت ديانة، أساسها الاعتراف بوحدانية الله، وهذه الديانة تعرف بالمحمدية، أو كما يسميها أتباعها الإسلام، وقد انتشرت هذه الديانة انتشاراً سريعاً، ومؤسس هذه الديانة هو العربي محمد –صلى الله عليه وسلم- وقد قضى على عادات قومه الوثنية، ووحد قبائل العرب، وأثار أفكارهم وأبصارهم بمعرفة الإله الواحد، وهذب أخلاقهم ولين طباعهم وقلوبهم وجعلها مستعدة، للرقي والتقدم، ومنعهم سفك الدماء ووأد البنات[11].
وصار العرب بفضله صلى الله عليه وسلم كأنهم ولدوا من جديد، وحملوا من بعده الرسالة (التي تتمثل في إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام) لينقلوها إلى ممالك فارس والروم والهند والصين وغيرها، وإذا بملوك وأمراء تلك الممالك يصابون بالذهول، ولسان حالهم يقول: "هؤلاء العرب الذين ألفيناهم على مر العصور يأكل بعضهم بعضًا، ومن أحس في نفسه بالعظمة لم يكن يحلم بأكثر من أن يكون من موالي الفرس أو الروم، يأتمر بأمرهم، ويحكم ما تحت يده باسمهم، يتحولون إلى قوة لا يصمد لها صامد، ولا يثنيهم عن بلوغ مآربهم شيء".
فهذا رستم قائد الفرس في وقعة القادسية يقول لرسل سعد بن أبي وقاص إليه: "إنكم معشر العرب كنتم أهل شقاء وجهد، وكنتم تأتوننا من بين تاجر وأجير ووافد، فأكلتم من طعامنا وشربتم من شرابنا، واستظللتم من ظلالنا، فذهبتم فدعوتم أصحابكم ثم أتيتمونا بهم..
وحسب المسكين أولاً أن الذي حركهم إليه هو الجوع (الذي يسميه المؤرخون الماديون العامل الاقتصادي) فقال: "قد أعلم أن الذي حملكم على هذا معشر العرب الجهد الذي قد أصابكم فارجعوا عنا عامكم هذا، فإنكم قد شغلتمونا عن عمارة بلادنا وعن عدونا، ونحن نوقر لكم ركائبكم قمحًا وتمرًا، ونأمر لكم بكسوة"، وإذا بالمغيرة بن شعبة رضي الله عنه يصحح له خطأه، ويطلعه على الدين الذي أحياهم من جديد، فقال له: ".. لا تذكر لنا جهدًا إلا وقد كنا في مثله أو أشد منه، أفضلنا في أنفسنا عيشًا الذي يقتل ابن عمه، ويأخذ ماله فيأكله، نأكل الميتة والدم والعظام، فلم نزل كذلك حتى بعث الله فينا نبيا..
فيزداد رستم ذهولا على ذهوله فيقول: "ما كنت أظن أني أعيش حتى أسمع منكم هذا معشر العرب"!.
وهذا عمرو بن عبد المسيح أحد أمراء الحيرة يقول لما رأى سرعة انتصارات جيوشهم: "لم أر كاليوم أمراً أوضح إقبالاً.. والله يا معشر العرب لتملكن ما أردتم ما دام منكم أحد أيها القرن (يقصد جيل الصحابة). وعمرو بن عبد المسيح لم يقل ذلك الكلام إلا بعد أن عُمِّر ما يزيد على مائة عام، وتعلم من تجارب الحياة ومشاهدتها، ورأى من سير الملوك والأمراء ما استخلص منه نظريته تلك، فقد وصلت الأمم المعاصرة له إلى درجة من التردي لا تسمح لها بالبقاء مع ظهور هذا الجيل الرباني الجديد "جيل المسلمين".
وأكد رستم نظريته تلك لما أُتِي بأعرابي خطفه بعض جنده فسأله عن سر تقدم المسلمين السريع فقال له الأعرابي: أعمالكم وضعتكم فأسلمكم الله بها، فلا يغرنك من ترى حولك، فإنك لست تجاول الإنس إنما تجاول القضاء والقدر، فلم يتحمل وقع كلماته عليه فضرب عنقه، ثم سار بجيوشه فنزل مكانًا يسمى "البرس" فاغتصب أصحابه أبناء الأهالي وأموالهم، وصاروا يقعون على نسائهم، فلما ضج أهلها إليه يشكون ما يلقون، قام إلى جنده فقال : يا معشر فارس، والله لقد صدق العربي، والله ما أسلمَنا إلا أعمالُنا، والله إن العرب مع هؤلاء (يقصد العوام من أهل دولته) وهم لهم حرب أحسنُ سيرةً منكم، إن الله كان ينصركم على العدو، ويمكن لكم في البلاد بحسن السيرة وكف الظلم والوفاء والإحسان، فإذا تغيرتم فلا أرى الله إلا مغيراً ما بكم، وما أنا بآمن من أن ينزع الله سلطانه منكم[12].
وبالفعل فقد نزع الله سلطانهم كما نزع سلطان الروم الذين شاركوهم البغي على الناس، وتحررت رعايا البلاد التي كانت تئن تحت وطأتهم، فسارعوا إلى الدخول في دين الله أفواجًا، بعد أن أُزيل عن كاهلهم نِيرُ الحكم الجائر، وخاصة من طبقة العمال والفلاحين الذين لقوا من المجاهدين المسلمين أحسن المعاملة؛ استجابة لأمر خلفاء المسلمين الذين كانوا يوصون بالإحسان إليهم، وعدم التعرض لهم أو لممتلكاتهم بسوء.
ونتج عن تحررهم أن أقبلوا على الحياة بقلوب منشرحة، فأقبل منهم على الإنتاج في شتى الحرف المختلفة من أقبل، وأقبل منهم على تعلم فنون العلم المختلفة من أقبل، وأتيحت أمامهم كل الفرص التي كانت حكرًا على طبقة النبلاء من قبل، فحدث ما يمكن أن يُسمى طفرة علمية وحضارية، وحققت البشرية في قرون قليلة ما لم تحققه في تاريخها الطويل في شتى فنون الرقي والتقدم العلمي..
هذه الطفرة التي لولاها ما وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه الآن، وبشهادة بعض العلماء الغربيين أنفسهم، تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: "إننا نقف الآن دهشين متعجبين أمام تطور الصواريخ، دون أن نسأل أنفسنا إلى من ندين بهذا الاختراع"[13] وذلك بعد حديثها عن تطور الأسلحة عند المسلمين.
ويقول السير جون هامرتن: "وقد كان لعلوم الشرق وفنونه وخدماته العامة، وطرائق نظمه الحكومية، وصناعاته التي بلغت حداً كبيراً من التقدم والإتقان، وأساليب الترف والرفاهية التي اختصت بها الطبقات العليا في حياتها الخاصة، آثار نافذة بعيدة المدى في أوربا إبان العصر الصليبي"[14].
ويقول مسيو شارل بلان: "أرى من غير مبالغة أنه لم يكن لأمة من التأثير في أمة مثل ما للعرب في أوربا، وذلك خلافاً لما يُسار عليه اليوم"[15].
فما أحوجَ العالمَ الآن إلى هدي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ليعيده إلى الطريق القويم، ويخرجه من أزماته، ويحل له مشاكله كما قال المفكر الإنجليزي برنارد شو!!.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: "والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية" (مسند أحمد، ومصنف ابن أبي شيبة، وشعب الإيمان للبيهقي).
[2] ورد ذلك في حديثه صلى الله عليه وسلم بمسند أحمد وسنن أبي داود وصحيح ابن حبان، والمستدرك على الصحيحين للنيسابوري.
[3] كما في الحديث الصحيح الذي رواه ابن مسعود وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة "إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم عنه، إن روح القدس نفث في رُوعي: أن نفسًا لا تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاءُ الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته".
[4] وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك في قوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63].
[5] ففي البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى".
[6] شعب الإيمان: جزء 4 ص 288.
[7] البداية والنهاية: جزء 8 ص 64.
[8] وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا" سنن الترمذي: ج4 ص322.
[9] جاء في صحيح مسلم: ج 1 - ص 93 "إن الله جميل يحب الجمال".
[10] سيرة ابن هشام: ج2 ص179.
[11] مقتبس من مقالة بعنوان "دور النبي محمد صلى الله عليه وسلم في تحضر العرب" لمحمد مسعد ياقوت منشورة بموقع الألوكة.
[12] الكامل لابن الأثير.
[13] زيغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب ص49، 50 بتصرف ترجمة فاروق بيضون وكمال الدسوقي - ط سنة 1964م.
[14] السيرجون هامرتن: تاريخ العالم ج5 ص195.
[15] انظر زيغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب ص95.
</H1>
- فيصل
رد: ميلاده ميلاد أمة سعدت بميلادها الأمم
الجمعة يوليو 01, 2011 7:36 pmبارك الله فيك
- احمدالاداري
- عدد المساهمات : 7479
تاريخ التسجيل : 07/08/2010
رد: ميلاده ميلاد أمة سعدت بميلادها الأمم
السبت أغسطس 20, 2011 9:50 pm
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى