منتدى الشعوب
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الشعوب
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدى
منتدى الشعوب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
الفارس الاسود
الفارس الاسود
المدير
المدير
عدد المساهمات : 393
تاريخ التسجيل : 05/11/2010
الموقع : https://choob.yoo7.com

الاستعمار الثقافي الفرنسي للدولة الجزائرية وأثره في مقومات هويتها الثقافية Empty الاستعمار الثقافي الفرنسي للدولة الجزائرية وأثره في مقومات هويتها الثقافية

السبت يونيو 18, 2011 4:15 pm

الاستعمار الثقافي الفرنسي للدولة الجزائرية وأثره في مقومات هويتها الثقافية
إعداد: الدكتور/ السعيد عواشرية.
أستاذ محاضر –أ.
قسم علم النفس وعلوم التربية/جامعة الحاج لخضر – باتنة.
مخبر إدارة وتنمية الموارد البشرية/جامعة فرحات عباس–سطيف.
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
ملخص:
تبنت الإدارة الفرنسية الاستعمارية في الجزائر إستراتيجية تدميرية للقضاء على مكونات الهوية الثقافية الجزائرية بتركيبتها اللغوية والدينية و...فكانت هذه الإستراتيجية تعبيرا عن حداثة الاستعمار في صورة الغزو الفكري والقهر الحضاري، بدل صورته القديمة المعروفة والمتمثلة في الاستلاب المادي، فاحتلال الجزائر بالنسبة إلى فرنسا لا يعني احتلال الأرض والاستيلاء على الحكم فحسب، وإنما الاحتلال الذي كانت تخطط له وتعد له العدة، فالهدف المنشود –إذن- هو بسط الهيمنة التامة على المجتمع بكامل عناصره، ومؤسساته بما فيها الأسرة والمدرسة والمسجد، وعناصر الثقافة من دين ولغة و...لأنها كانت تريد أن تغير البيئة الجزائرية وتمسخ هويتها وتحويلها إلى بيئة فرنسية.
ولتحقيق هذه الغايات جندت فرنسا خبراءها لدراسة مميزات الشعب الجزائري ومعرفة مداخل التأثير فيه، ولعلهم اهتدوا من خلال ذلك إلى أن السبيل للاستيلاء على هذا الشعب والسيطرة عليه وإحداث التغيير المرغوب في ذهنيته وسلوكه لا يتم إلا بالفهم العميق لحقيقته، والسعي إلى النفاذ إلى أعماق نفسيته لتغييرها وإعادة تشكيلها بما يتلاءم مع أغراض السياسة الاستعمارية، لأن بقاءه متمسكا بهويته الثقافية العربية الإسلامية وبشعوره الوطني يعطيه مناعة تحصنه ضد التأثيرات التي تأتيه من خارج ذاته، ومن هنا بدأ التخطيط لسياسة استعمارية تدميرية لمقومات الهوية وكذا الشعور بأهميتها، ومن بين هذه المقومات اللغة العربية والدين الإسلامي.
على هذا الأساس تأتي هذه الورقة محاولة التعرف على أساليب الإستراتيجية الاستعمارية الفرنسية المتبعة في محاولة مسح الهوية الثقافية للمجتمع الجزائري من ناحية الدين واللغة والعادات و..، ومن ثمة الكشف عن الانعكاسات والنتائج والدور السلبي المتمخض عن هذه الإستراتيجية الاستعمارية.
وفي محاولتنا لذلك صنفنا ورقتنا على جانبين أساسيين بعد المقدمة تعلق الأول بضبط مفهوم كل من الثقافة، الهوية الثقافية، ومقومات هذه الأخيرة، في حين تعلق الثاني بتحديد بعض إجراءات الإستراتيجية الاستعمارية الرامية للقضاء على بعض مقومات الهوية، وخاتمة الورقة حاولنا فيها الإشارة إلى أهم تبعات ذلك.

مقدمة
يبدو من سياق الأحداث التاريخية أن فرنسا لم تقدم على احتلال الجزائر إلا بعد أن حددت أهدافها من هذا الاحتلال، وجمعت معلومات عن حقيقة هذا البلد، وعن نظامه الاجتماعي، وخصوصياته الثقافية، وعن نظرتهم إلى من ليسوا على دينهم وعقيدتهم وعن التقاليد التي يعتزون بها. لذلك وجهت اهتمامها قبل الإقدام على الغزو لمعرفة السبل والأساليب التي تيسر بها النجاح في المهمة التي هي مقدمة عليها (وهي الاحتلال)، فاحتلال الجزائر بالنسبة إلى فرنسا لا يعني احتلال الأرض والاستيلاء على الحكم فحسب، وإنما الاحتلال الذي كانت تخطط له وتعد له العدة، وتبحث عن المسوغات التي تبرر بها فعلتها الشنيعة، هو احتلال البيئة الجزائرية العقلية والنفسية بكاملها، أو لنقل هو الاحتلال الثقافي بأوسع معانيه، حتى ولو كان المدخل إليه هو الاحتلال العسكري والسياسي، فالهدف المنشود –إذن- هو بسط الهيمنة التامة على المجتمع بكامل عناصره، ومؤسساته بما فيها الأسرة والمدرسة والمسجد، وعناصر الثقافة من دين ولغة و...لأنها كانت تريد أن تغير البيئة الجزائرية وتمسخ هويتها وتحويلها إلى بيئة فرنسية لتصنع فيها ومنها وجودا فرنسيا لغة ودينا وأخلاقا وعادات وتقاليد في هذه البقة من الأرض، تريد أن تجعل الشعب الجزائري شعبا مغايرا لحقيقته منسلخا من شخصيته (عن دينه ولغته وعن انتمائه الحضاري) راضيا بالتبعية لغيره قابلا للاندماج في الحياة الفرنسية وغايتها من ذلك يمكن تلخيصه في نقطتين: (01)
1- غرس بذور الفكر الفرنسي والثقافة الفرنسية في عقول الجزائريين، وفرض لغة هذه الثقافة في هذه البلاد التي هي بوابة إفريقيا ليمتد وجودها الثقافي واللغوي إلى بقية بلدان إفريقيا، ومن يدري؟ لعلها كانت تتطلع إلى أن يتسع وجودها ليشمل بلدانا عربية أخرى.
2- أن تحول الجزائريين كلهم إلى رعايا فرنسيين مرتبطين عاطفيا ولغويا وفكريا بفرنسا، عليهم واجبات ولكن ليس لهم حقوق، لأن الغاية من الاحتلال الذي خططت له هي أن تجعل عقول الجزائريين عقولا تنفذ لا تفكر، تقبل كل شيء ولا ترفض أي شيء.
ولتحقيق هذه الغايات جندت فرنسا خبراءها من الفلاسفة والمستشرقين والضباط ممن لهم معرفة ولو بسيطة بالإسلام واللغة العربية و...لدراسة مميزات الشعب الجزائري ومعرفة مداخل التأثير فيه. وقد وجدوا أن الشعب الجزائري يتميز بعدد من الصفات والمميزات التي لا يمكن تجاهلها عند التعامل معه، ومن هذه المميزات: تمسكه بدينه واعتزازه بلغته العربية، وحبه لوطنه وأرضه وغيرته على عرضه وشرفه، ولعلهم اهتدوا من خلال معرفتهم لهذه المميزات إلى أن السبيل للاستيلاء على هذا الشعب والسيطرة عليه وإحداث التغيير المرغوب في ذهنيته وسلوكه لا يتم إلا بالفهم العميق لحقيقته، والسعي إلى النفاذ إلى أعماق نفسيته لتغييرها وإعادة تشكيلها بما يتلاءم مع أغراض السياسة الاستعمارية، لأن بقاءه

متمسكا بهويته الثقافية العربية الإسلامية وبشعوره الوطني يعطيه مناعة تحصنه ضد التأثيرات التي تأتيه من خارج ذاته، ومن هنا بدأ التخطيط لسياسة استعمارية تدميرية لمقومات الهوية وكذا الشعور بأهميتها، ومن بين هذه المقومات اللغة العربية والدين الإسلامي. وقبل توضيح انعكاسات السياسة الاستعمارية الفرنسية للجزائر على الهوية الثقافية للشعب متخذين من اللغة والدين نموذجا أساسيا على ذلك يجدر بنا ضبط بعض المفاهيم.(الثقافة، الهوية الثقافية، مقومات الهوية الثقافية)
أولا: ماهية الهوية الثقافية:
1- تعريف الثقافة:
يعد مصطلح الثقافة من المصطلحات التي لها أكثر من دلالة ومن تعريف، وعليه سوف نعتمد على التعريف الذي صدر عن المؤتمر العالمي بشأن السياسات الثقافية بإشراف اليونسكو المنعقد بمكسيكو في: 06 جويلية إلى 06 أوت 1982 والذي عرفها ب" إن الثقافة بمعناها الواسع يمكن أن ينظر إليها اليوم على أنها جماع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه أو فيئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان، وتظم القيم والتقاليد والمعتقدات." (02)
ويعرف "ليفي شتراوس" الثقافة بأنها تعني: " أنماط الحياة الخاصة وغير القابلة للنقل أو التحويل والتي يمكن إدراكها من خلال إنتاج ملموس في صورة تقنيات وعادات وتقاليد ومؤسسات وعقائد وليس في صورة قدرات ضمنية أو افتراضية وتشكل قيما قابلة للملاحظة وليس حقائق."(03)
ويعرفها "تايلور" بقوله: " الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفنون والأخلاق والتقاليد والقوانين، وجميع المقومات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع."(04)
مما سبق يتضح أن الثقافة خاصية إنسانية تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات، غير أن لكل مجموعة بشرية ولكل أمة ذاتيتها الثقافية، أو ما يسمى بالهوية الثقافية أو الخصوصية الثقافية تميزها عن غيرها من الأمم. فما المقصود بالهوية الثقافية؟
2- تعريف الهوية الثقافية:
جاء في القاموس الجديد للطلاب(05) أن الهوية هي: باطن الشيء الدال على حقيقته واتجاهاته، وانطلاقا من هذه الفكرة يمكن الحديث عن الهوية الثقافية.

إن الهوية الثقافية أو ما اصطلح عليه بالذاتية الثقافية أو الخصوصيات الثقافية من المواضيع التي نالت حقها من الدراسة في المؤتمر العالمي بشأن السياسات الثقافية المشار إليه سالفا، حيث جاء إعلان مكسيكو بأن الهوية الثقافية هي: " النواة الحية للشخصية الفردية والجماعية، والمبدأ الرئيسي الملهم لكل أنواع القرارات والسلوك والأفعال التي تدرك على أنها أصلية أو صادقة." (06)
وبهذا أصبحت قضية احترام الخصوصيات الثقافية مسألة مسلم بها داخل اليونسكو وأحد الركائز التي توجه سياساتها وبرامجها وأهدافها. وتجسيدا لذلك أدرجت اليونسكو في مشروع البرنامج والميزانية في الفترة 1984 - 1985 برنامجا رئيسيا عن الثقافة والمستقبل. وتضمن برنامجا فرعيا عن "الخصوصية الثقافية والعلاقة بين الثقافات"، غرضه تشجيع معرفة الثقافات وتعزيز الوعي بالهويات الثقافية، والتعبير عنها ، وتحضير البحوث والدراسات التاريخية بشأن الثقافات، ورسم وتنفيذ سياسات النهوض باللغات الوطنية أو المحلية أو الإقليمية، وتنمية المبادلات الثقافية والفنية والإقليمية.(07)
ويمكن القول أن الهوية الثقافية هي: نتاج تفاعل مجموعة من المكونات المتمثلة أساسا قي العقائد والعادات والقيم الأخلاقية والاجتماعية و... . التي تساهم في صقل شخصية فردية أو جماعة بشرية لها سماتها الذاتية. غير أن هذه الأخيرة لا تنفي البتة إمكانية الالتقاء بين الثقافات الأخرى في بعض مكوناتها.
3- مقومات الهوية الثقافية:
يمكن تلخيص مقومات الهوية الثقافية في العناصر الأساسية الآتية:
أ- العادات والتقاليد:
تعد أنماط الأكل واللباس والاحتفالات وأساليب التعامل من الأمور التي تعبر بشكل ما عن شخصية الأمة وذاتها، وبالرغم من أن مثل هذه الأمور عرضة للتحول والتطور، إلا أنه تبقى فيها ملامح الأصالة متوفرة. وعليه فإن اكتساح الوجبات السريعة في مجال الغداء - على سبيل المثال - في كثير من دول العالم سوف يقضي لا محالة على كثير من العادات والتقاليد، سواء في ما تعلق بطبيعة الأكل في حد ذاته، أو في اجتماع العائلة حول طاولة واحدة مع ما يحمله الموقف من معاني الترابط والأخوة. وبذلك يفسح المجال لعادات جديدة."(08)
وتنقسم العادات والتقاليد إلى صنفين:(09)
- عادات وتقاليد فردية: وتطلق على المظهر السلوكي الذي يمكن لمسه في ممارسة الأفراد مثل: عادة تصفيف الشعر لدى شخص معين.

- عادات وتقاليد إجماعية: وتمثل أسلوبا اجتماعيا، أي أنها لا تتكون ولا تمارس إلا في المجتمع بحيث تكون عامة لجميع أفراد المجتمع الواحد مثل: التحية.
ب - اللغة والدين:
تلعب اللغة دور كبير في تكوين ثقافة المجتمعات البشرية، ثم إن لغة الشعب هي مستودع تراثه الثقافي، ومن أهم وسائل تقييم الثقافة. فبواسطتها تكتسب الفنون والعلوم، وهي أساس التنشئة الاجتماعية وأساس الاتصال والتفاعل والإطلاع على ثقافة المجتمعات إذ فيها تتراكم الخبرة التي اكتسبتها البشرية، و...ولهذا تبرز اللغة كوسيلة ضرورية لإشراك الفرد في ثقافة المجتمع.( 10)
وتلعب العقائد الدينية أهم مكون في الشخصية الثقافية لأي أمة، ونقول هذا بالرغم من أن العقائد الدينية تختلف وتتقارب لدى أصحابها في منطق الصحة و البطلان من منظور كل عقيدة لغيرها. وذلك لأن تقويم العقائد في ضوء الحقائق شيء وتجريد الأمة من حريتها في الحفاظ على ما نعتقده من ثوابت دينية شيء آخر. بعبارة أخرى فإن العقائد الدينية تلعب دورا لا يستهان به في صقل شخصية الفرد باعتبارها عاملا من العوامل الموجهة والمحددة لسلوكات الأفراد. والمتأمل للتراث الحضاري الموروث لأية أمة يدرك بوضوح أثر الدين في ذلك التراث، وتتفاوت طبعا مدى تأثيرها من عقيدة إلى أخرى، وذلك تبعا لدرجة إيمان الفرد بتلك العقيدة.(11)
ج - القيم والمعايير الاجتماعية:
تعرف القيم على أنها الصفات الشخصية التي يفضلها، أو يرغب فيها الناس في ثقافة معينة. فالشجاعة والإيثار وضبط النفس من الصفات المرغوب فيها في كل ثقافة، ولكن القيم ليست صفات مجردة، بل هي في الواقع أنماط سلوكية تعبر عن هذه القيم. ويمكن النظر إلى القيمة على أنها اهتمام أو تفضيل أو حكم يصدره شخص على شيء ما مستعينا بالمبادئ والمعايير التي وضعها المجتمع لتحديد المرغوب وغير المرغوب فيه من أنماط السلوك.(12)
وتكمن أهمية المعايير الاجتماعية في إمداد أفراد المجتمع بمعان موحدة مشتركة للتعامل على أساسها والتفاهم من خلالها. كما تمدهم بالأهداف المشتركة وتيسر لهم سبل التفاعل والتواصل.(13)
وبهذا القيم الاجتماعية والأخلاقية أساس الروابط الإنسانية بين أبناء المجتمع الواحد والمحدد لكيفية التعامل بين الناس. وهي بذلك عامل مهم في الحفاظ على الاستقرار والانسجام في المجتمع الواحد، وتجنبه التشتت.

وتضيف نجاح قدور إلى المقومات السابقة مقومين آخرين هما:(14)
أ- البيئة: أي الوطن في جانبيه الطبيعي والبشري بما يعنيه من تنوع وتعدد.
ب- التراث: متجليا ببعديه الثقافي والحضاري.
ثانيا: الإستراتيجية الاستعمارية الثقافية الفرنسية للجزائر للقضاء الهوية الثقافية الوطنية:
1- الإستراتيجية الاستعمارية الثقافية الفرنسية للجزائر للقضاء على اللغة العربية:
كرس المستعمر طيلة وجوده بالجزائر التخطيط للقضاء على اللغة العربية ومنع انتشارها والتضييق على النشطاء في مجال نشر العلم والثقافة العربية وجعل هذه اللغة لغة أجنبية في عقر دارها، ولأجل ذلك مورست أبشع الطرائق واستعملت أخبث الوسائل في أساليب تعليمها بمؤسسات التثقيف المختلفة، وقد تمثلت محاربة الاحتلال للغة العربية من خلال ما يلي: (15)
أ- فرنسة التعليم في المرحلة الابتدائية، وجعل اللغة العربية لغة أجنبية واختيارية في بقية المراحل الأخرى.
ب- تقسيم اللغة العربية إلى ثلاث لغات يمكن إهمالها جميعا في التعليم:
* عربية عامية يستعملها الشعب ولا قيمة لها، وبالتالي لبست مادة صالحة للتعليم في المدارس.
* عربية فصحى "لغة القرآن الكريم" وهذه مثلها مثل اللغتين اليونانية واللاتينية تعتبران لغة ميتة.
* عربية حديثة وهي معروفة بصورة باهتة في الجزائر لأنها نتاج بعض المتعلمين وهي في الحقيقة لغة أجنبية وأداة للقومية العربية، ولذلك يجب إبعادها من برامج التعليم.
ج- اعتبارها لغة أجنبية كما ينص قرار "شودان" (وهو قرار وزاري أصدره الوزير شودان Chaudan سنة 1938 يقر فيه بجعل اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر، ويمنع تدريسها في معاهد التعليم إلا بترخيص من الإدارة الفرنسية).
د- فرنسة الإدارة ووسائل الإعلام والثقافة بغرض صبغ البلاد بصبغة فرنسية خالصة في كل صغيرة وكبيرة.
ه- محاربة معاهد التعليم العربي "الحر" التي تقوم بنشر اللغة العربية ومحاولة تصفيتها.

و- اضطهاد المعلمين الأحرار في سلك التعليم العربي الحر وسجنهم وتغريمهم بقصد صرفهم عن العمل في نشر التعليم العربي بين الجزائريين.
ي- التقتير في منح رخص التعليم للمعلمين الأحرار والمنظمات الجزائرية القائمة بنشر التعليم العربي الحر.
ن- تعطيل النوادي العربية الحرة التي تقوم بنشر اللغة العربية بين الشباب الجزائري، وتربيته تربية عربية إسلامية.
ي- مصادرة أملاك قطاع التعليم العربي: بحيث لم تكتف الإدارة الاستعمارية بغلق مؤسسات التعليم العربي، وطرد علمائها ومشايخها وتضييق الخناق عليهم، وفرض سيطرتها على كامل المؤسسات بل سارعت إلى الاستيلاء على أوقاف المؤسسات ومصادرة أملاك وعقارات كانت تابعة لهيئة الأوقاف، وهي الهيئة التي تشرف على تمويل التعليم العربي.
2- الإستراتيجية الاستعمارية الثقافية الفرنسية للجزائر لقطع الترابط والتواصل بين أهالي المناطق المختلفة داخل المجتمع:
نشطت الأبحاث والدراسات الأنثروبولوجية بتوجيه من الإدارة الاستعمارية لمحاولة إثبات الفوارق العرقية والثقافية بين من كانت تدعي أنهم البربر (وهم الناطقون محليا بإحدى اللهجات البربرية) والعرب (وهم الناطقون بالعربية) وكانت فرنسا تدعي أنها وريثة الحضارة اللاتينية التي شيدها الرومان في شمال إفريقيا واغتصبها العرب الفاتحون، وما فتئت طوال عهد الاحتلال تسعى للتفرقة بين الأهالي واستعداء بعضهم على بعض، حتى تنجح سياسة الفرنسة بين من كانت تدعي أنهم من أبناء عمومتها أحفاد القديس أغسطين، وبالرغم من أن فرنسة هؤلاء الذين تسميهم بالبربر لا تمثل أي وزن ديمغرافي بالنسبة لمجموع السكان، إلا أنها تعتبر جزءا من الخطة الشاملة المرسومة للفرنسة الكلية، كما تعتبر عاملا قويا لتفتيت وحدة المجتمع، وتفننا في أساليب التفرقة والشقاق أحدثت الدارة الفرنسية قناة إذاعية لإرسال بإحدى اللهجات البربرية (وهي لهجة بلاد القبائل الكبرى) وهي المنطقة التي كان يراهن قادة الاحتلال على أنها ستتفرنس وتنطلق منها شرارة البعث الفرنسي الموعود لوصل الأحفاد بالأجداد (الرومان)، وقد أولاها اهتماما خاصا دون المناطق الأخرى التي توجد بها أقليات تستعمل إحدى اللهجات البربرية (الأمازيغية) في الحياة اليومية على الصعيد الشفهي سواء في بلاد ميزاب والتوارق في الجنوب، أم الأوراس في الشرق، أم الرقيبات في الغرب،... (16)


وفي هذا الخصوص يقول الحصري: "زعم رجال الحكم وصناديد الاستعمار أن البربر لم يكونوا مسلمين تماما، ولذلك لم يكن من العسير تفريقهم عن العربثم استمالتهم لفرنسا، ولهذا السبب أكثرت فرنسا من إنشاء المدارس في المناطق المسكونة بمن تسميهم البربر...غير أنها منعت فيه التكلم بغير اللغة الفرنسية".(17)
3- الإستراتيجية الاستعمارية الثقافية الفرنسية للجزائر للقضاء على الدين الإسلامي:
كانت الحملة الشرسة ضد الدين الإسلامي وفق حملة صليبية معلنة لتشويه العقيد الإسلامية، والحط من شأن الإسلام ومطاردة رجاله والزج بهم في السجون أو نفيهم إلى الصحاري أو مناطق نائية ولذلك انتهجت الإدارة الاستعمارية سياسة خلاصتها مقولة الكاردينال "لافيجيري": "علينا أن نخلص هذا الشعب ونحرره من قرأنه، وعلينا أن نعنى على الأقل بالأطفال لننشئهم على مبادئ غير التي شب عليها أجدادهم، فإن واجب فرنسا هو تعليمهم الإنجيل، أو طردهم إلى أقاصي الصحراء بعيدين عن العالم المتحضر".(18)
والشواهد التاريخية تؤكد ما كان يدعو إليه سكرتير "بيجو" سنة 1832 عندما بدا مقتنعا بأن: "آخر أيام الإسلام قد دنت وفي خلال عشرين عاما لن يكون للجزائر إله غير المسيح، ونحن إذا أمكننا أن نشك في أن هذه الأرض تملكها فرنسا فلا يمكننا أن نشك على أي حال بأنها قد ضاعت من الإسلام إلى الأبد، أما العرب فلن يكونوا رعايا لفرنسا إذا أصبحوا مسيحيين جميعا"(19)
ومن هنا يمكن القول أنه إذا كان الدين الإسلامي هو الحائل دون نجاح سياسة التفرقة والإدماج والفرنسة فإن الاستعمار لم يفتأ منذ الوهلة الأولى للاحتلال يخطط للقضاء على هذا الدين، فانتهج لذلك سياسة التنصير والمتمثلة في إخراج المجتمع الجزائري من دينه بإغرائه أو إرغامه على اعتناق الديانة المسيحية التي تخول له الحصول على الحقوق مثل أفراد المجتمع الفر نسي ويتحقق بذلك الإدماج الذي حال تمسك الجزائريين بقانون الأحوال الشخصية الإسلامي دونه.
وفي موضوع علاقة التنصير بالفرنسة يقول البحاثة ساطع الحصري: " لقد أظهر كتاب فرنسا وخطباؤها نزعتين أساسيتين عند تقرير السياسة التي يجب إتباعها في الجزائر عند بداية الاحتلال وهماك التنصير والفرنسة، وبتعبير أوضح: العمل على إقامة الديانة المسيحية محل الديانة الإسلامية، وإحلال اللغة الفرنسية محل اللغة العربية، وكانت هاتان النزعتان تتآزران في أذهان الكثيرين من الفرنسيين لأنهم كانوا يرون أن التنصير يساعد على الفرنسة كما أن الفرنسة تسهل التنصير".(20)


وإذا كانت سياسة التنصير وسيلة للفرنسة وهدفا من أهداف السياسة الاستعمارية الفرنسية للجزائر فلم يكن تطبيقها بالشيء الهين في مجتمع كالمجتمع الجزائري خال من الطوائف الدينية متمسكا بالإسلام، ولذلك عمدت إدارة الاحتلال إلى طرائق في منتهى الخطورة والالتواء والخبث محاولة من خلالها بلوغ ذلك الهدف، ومن أهم هذه الطرائق نذكر: (21)
أ- تكثيف نشاط الإرساليات الدينية المسيحية التي أخذت تتوافد على القطر الجزائري تحت مختلف الأشكال والأسماء من هيئات تعليمية، وجمعيات خيرية، وأظهرت نشاطا خاصا في ميادين الخدمات الاجتماعية، وتغلغلت في المناطق الأكثر فقرا لإغراء الأهالي بالمساعدات المادية واستدراجهم إلى الدين الجديد، وإمعانا في التمويه وتسهيل احتكاك هؤلاء القساوسة بمختلف الفئات الاجتماعية أطلقوا على أنفسهم اسم: (الآباء البيض) فكانوا يرتدون ثيابا بيضاء وبرانيس مثل الأهالي تماما، بل يرتدون اللباس التقليدي الأسود، ولم يرتدوا اللباس الأبيض –في علمنا – إلا في الجزائر.
ب- التركيز على تنصير الأولاد الصغار وخاصة اليتامى والمشردين وأبناء الفقراء...؛ حيث كانوا يغرونهم بكل الوسائل لاستجلابهم وتنشئتهم على الديانة المسيحية، وقد نشط الآباء البيض في اصطياد هؤلاء الأطفال وجمعهم في ملاجئ أنشئت لهذا الغرض، نذكر منها ملج؟أ (ابن عكنون) و(القديس ميشال) و(بيت بوفاريك)، وفي سنة 1867 شرع الكاردينال "لافيجري" الذي أسس (بيت بوفاريك) في تنفيذ خطة كبيرة في لتنصير الأطفال الجزائريين فكتب في مقدمة برنامجه: "علينا أن نجعل من الأرض الجزائرية مهدا لدولة عظيمة مسيحية أعني بذلك فرنسا أخرى يسودها الإنجيل دينا وعقيدة، فهذه هي آيات الله".
ومن أخطر ما فعله هذا الكردينال أنه كان ينصر الأطفال ثم يجعل منهم (أباء بيضا) ليتولوا الدعوة إلى الديانة المسيحية بين أهليهم، وكان ذلك تنفيذا لتوجيه "لوفيبو" سكرتير المارشال بيجو الذي قال في تصريح له في سنة 1838: "إن العرب لا يطيعون فرنسا إلا إذا أصبحوا فرنسيين ولن يصبحوا فرنسيين إلا إذا أصبحوا مسيحيين".
ومن طرائق ذلك كذلك: (22)
أ‌- تحويل عددا كبيرا من المساجد الإسلامية الهامة في مختلف المدن الجزائرية إلى كنائس للمسيحيين أو بيع لليهود وذلك نكاية في الدين الإسلامي ومحاولة القضاء عليه بالقضاء على مقدساته.


ب- أخضعت فرنسا المؤسسات الإسلامية (مساجد، وقضاء شرعي، ومواسم إسلامية، ورجال دين) لإشرافها المباشر وعملت على تسخير رجال الدين للعمل كجواسيس للإدارة على مواطنيهم مما يتنافى مع مكانتهم الدينية المبجلة.
د- تطبيق قانون فصل الدين عن الدولة الذي صدر في فرنسا سنة 1905 والمطبق في الجزائر بمقتضى مرسوم سنة 1907 على الدين اليهودي والدين المسيحي فقط، ورفضت تطبيقه على الدين الإسلامي ومعابده كي يبقى تحت سيطرتها المباشرة، حتى تحول بين الجزائريين وبين النهوض بالمؤسسات الإسلامية على الوجه المطلوب.
ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد بل تعدى إلى تشويه التاريخ الجزائري وتزييف جغرافية الوطن.
4- الإستراتيجية الاستعمارية الثقافية الفرنسية للجزائر قصد تشويه التاريخ الجزائري:
بما أن مادة التاريخ الوطني والجغرافيا تعتبران من المواد العلمية ذات الإستراتيجية الخطيرة في بناء الكيان القومي والوطني للمتعلمين في سائر مراحل التعليم، فقد تركزت عليهما جهود الاحتلال بالمسخ والتشويه تارة، وبحرمان الجزائريين من دراستهما الدراسة العلمية الوافية في معاهد التعليم المختلفة تارة أخرى.
فمن ناحية المسخ والتشويه كان الأطفال الجزائريون في مدارس الاحتلال يدرسون في مادة التاريخ "الذي يعتبر بمثابة شعور الأمة وذاكرتها ووعيها بكيانها" كانت الجزائر قديما تسمى "الغال" وكان أجدادنا يسمون "الغليين" تماما مثلما كان يدرس التلميذ الفرنسي في مقاطعة "نورماندي".
والقصد من هذا هو المسخ والتشويه للتاريخ الوطني، بحيث ينشأ أبناء الجزائريون الذين يدرسون في مدارس الاحتلال على هذه الصورة، وهم يعتقدون منذ الصغر بأن أصل أجدادهم ينحدر حقيقة من الغاليين في جنوب فرنسا، وليس من العرب في شبه الجزيرة العربية، وبذلك يصبحون أسهل انقيادا، وأسرع استجابة لقبول نتائج سياسة الفرنسة، والتنصير، والإدماج في فرنسا، وهي السياسة التي تهدف إلى محو شخصية وطنهم القومية محوا كاملا.
ولم تقتصر جهود الاحتلال في حرمان الجزائريين من دراسة تاريخهم بالقدر الكافي على المدارس الفرنسية اللغة والخاضعة لإشرافه فقط، ولكنه عمل إلى جانب ذلك على منع تدريسه لهم في المدارس والكتاتيب القرآنية "الحرة" التي أقامها الشعب الجزائري بتبرعاته.(23)


5- الإستراتيجية الاستعمارية الثقافية الفرنسية للجزائر قصد تزييف جغرافية الجزائر:
كانت جغرافية الجزائر تدرس لأبناء الجزائريين في المدارس الفرنسية باختصار شديد وخلال أسابيع معدودة في المرحلة الإبدائية فقط مثل التاريخ.
وكان المنهاج يحاول أن يغرس في أذهان التلاميذ الجزائريين أن بلادهم جزء لا يتجزأ من لوطن الفرنسي (الأم) وأن الجزائر تمثل ثلاث مقاطعات فرنسية في ما وراء البحر المتوسط. وفي الوقت نفسه يدرس أبناء الجزائر في المدارس الفرنسية الحكومية جغرافية فرنسا بتفصيل واف في مختلف مراحل التعليم، وذلك لان الجغرافية مثل التاريخ "مادة ذات طبيعة إستراتيجية" خطيرة من ناحية تكوين الروح الوطنية والقومية لدى المتعلمين، وبناء شخصيتهم القومية بناء سليما. فنحن مثلا لا يمكننا أن ننتظر من الناشئين أن يحبوا وطنهم، ويفدوه بكل نفس ونفيس في الوقت الذي لا يعرفونه معرفة جيدة في مختلف مراحل تاريخه، وفي موقعه الجغرافي ومكانته الاقتصادية والسياسية بين الشعوب الأخرى، كما لا يرون بعيونهم ما يدره عليهم من منافع وخيرات. (24)
ثالثا: صور لأضرار الإستراتيجية الاستعمارية الثقافية على مستوى الهوية الثقافية:
إن السياسة السابقة الذكر بمختلف إجراءاتها وطرائقها تمخضت عنها أضرار جد سلبية على مستوى الهوية الثقافية للمجتمع الجزائري سواء من ناحية العادات والتقاليد أو اللغة أو الدين أو القيم الاجتماعية سنكتفي في ختام موضوعنا هذا الحديث عن الأضرار الأشد وطأة والمتمثلة في النقاط الآتية:
1- بروز نخبة من الجزائريين مثقفة ثقافة غربية: أدت العديد من الاستراتيجيات السابقة الذكر إلى بروز نخبة من الجزائريين مثقفة ثقافة غربية تكونت في مدارس فرنسية وبلغة غير عربية، فئة راعتها الإدارة الاستعمارية، كونتها وساندتها وباركتها ودعت لها، وجعلت منها فئة الأشراف ومن المقربين إلى الإدارة ونالت حظها في الوظيف العمومي الراقي، وهذا لكي تجعل الإدارة الاستعمارية هذه الفئة أداة طيعة في يدها، وبمثابة معاول هدم لضرب الثقافة العربية الإسلامية، فئة أبدت الإخلاص للمستعمر والخلاص للوطن.
2- بروز صراع فكري ثقافي وديني بين المعربين والمفرنسين: كان لما سبق سببا في بروز صراع فكري ثقافي وحتى ديني بين فئتين واحدة معربة وأخرى مفرنسة، الأولى تتلمذت في مؤسسات التعليم العربي الحر (الزوايا، المدارس القرآنية، الكتاتيب،...)، وتحمل راية الفكر الحضاري الأصيل، والثانية تتلمذت في مؤسسات ومدارس التعليم الرسمي الفرنسي (تحمل راية الفكر الغربي والثقافة الهدامة). (25)

ويلاحظ أن الجزائر لا تزال إلى حد اليوم تعاني من أثر سياسة الاحتلال الثقافية، حيث لا يزال البعض من الجزائريين المثقفين ثقافة فرنسية خالصة يعرضون فكرة تعريب التعليم والإدارة في الجزائر، متأثرين بما تعلموه في المعاهد الفرنسية في عهد الاحتلال من معلومات مشوهة، ومغرضة، ضد اللغة العربية والإسلام، وانتماء الجزائر الحضاري والمصيري إلى الأمة العربية والعالم الإسلامي.
هذا الصراع لم يخدم الطرفين بقدر ما خدم المستعمر، وهو ما توضحه كلمة خطيب بمسجد شرشال سنة 1904 الذي يشيد بحكومة الاستعمار: "...وأعلموا أن هذه الدولة رحمة من الرحمن تحت نشر العلوم، وإصلاح ما فسد، وقمع أهل البهتان، فلا يمكننا أن نتجاسر فنلقى العداوة في قلوب حكومتنا، بل نبذل جهدنا في الطاعة والشكر لها لمنافعها العظيمة".(26)
وفعلا هذه الشهادة تؤكد أن المستعمر قد استمال الكثير وأبدع في تفكيك الصف الوطني بتنشئة عملاء يخدمون دعوته ويدافعون عن لغته وثقافته، فئة تخدرت لها العقول، وتشبعت بالفكر الغربي التغريبي نالت الوظيفة والوسام، فهامت بالمستعمر وأشادت بإنجازاته وبلغت رسالته.
لقد أفرط وأسرف الاستعمار في محو مقومات هويتنا، وفي حق شعبنا وقامت إستراتيجية تحت مضلة ووراء ستار "الحضارة" وذلك باستمالة أقلية لصالحه، وذلك وفق مقاييس معينة. وإن كانت هذه النخبة جديرة بالشفقة تستحق الرثاء لحالها أكثر من اللوم والتوبيخ لأنها عاشت محظية لدى الاستعمار، وتقمصت هويته ودافعت ولا زالت تدافع عنه، فقد صعقت أمام النمط الأجنبي بعدما نما لديها مركب النقص؛ إذ انحطت وفقدت شخصيتها بجهل لغتها وثقافتها وتاريخها، فأنكرت وجحدت كل ما يمت بصلة لمقوماتها أو ما يذكرها بحالة استئصالها من واقعها وماضيها وحاضرها الجيدين.
ففي الجزائر لا نزال نسمع أن اللغة الوطنية هي لغة الماضي فقيرة وضعيفة الأفكار، غير قادرة على مواجهة الضروريات العلمية، وحسب هؤلاء فإن اللغات التي تستعمل الحروف اللاتينية وحدها هي القادرة على تحمل هذا الدور بجدارة واستحقاق، وتزعم هذه الفئة أيضا، أن العربية لغة عاطلة، عديمة الفائدة وضعت للقيام بشعائر الصلاة ونظم الشعر.
والواقع أن ظاهرة جماعة النخبة والصراع القائم بين المعربين والمفرنسين ليست قاصرة على الجزائر وحدها، ولكنها تكاد تكون ظاهرة عامة في كل بلد نكب بالاحتلال العسكري، مصحوبا بالغزو الثقافي، خصوصا المستعمرات الفرنسية. وهو ما يعرف بالاستعمار الثقافي والذي يعتبر أشد خطرا من الاستعمار العسكري لأن هذا الأخير يمكن التخلص منه نسبيا بخلاف الاستعمار الثقافي الذي يعمد إلى إفساد العقل والفكر والروح وتشويه الشخصية الإنسانية للإفراد والجماعات،

3- انتشار الأمراض والآفات الاجتماعية والانحرافات السلوكية: مع تزايد الضربات الموجعة الموجهة للغة العربية والدين الإسلامي من تزييف وتشويه، كثرت بذلك الأمراض الاجتماعية وزادت الانحرافات في الأوساط الشعبية، وكثرت الأساطير والخرافات بفعل حملات المستعمر لتجهيل الشعب وجعله شعب مخدر، ميت. يحث على الفكر المضلل وينهض على طقوس الدراويش.
وفي هذا السياق جاء على لسان المؤرخ أحمد توفيق المدني: "...آل أمر الكثير من هذه الزوايا والطرق إلى إحداث وثنية في الإسلام...وتفشت إثر ذلك بدع وأباطيل، لا تشوه وجه الإسلام السمح وحده، بل تسود وجه البشرية برمتها، يزعمون أنهم يقومون بها زلفى وتقربا إلى الله، كضرب الدفوف، والرقص، واختلاط الرجال بالنساء، وأكل الحشرات السامة، والتمرغ على الأشواك، والتشبه بالحيوان، لا عجم في مشيته وأصواته".(27)
هذا هو حال الجزائريين الذين يمارسون طقوسا ما كانت من عادات وتقاليد المجتمع ولا من شيم ثقافته، ولا تمد بأية صلة بدينه، وإنما في حقيقتها هي من صنع المستعمر وأحد خططه لتثبيت خطواته وحده في الوسط الشعبي، ومن ثم مسح الهوية الثقافية العربية الإسلامية لهذا الشعب.
وتجدر الإشارة هنا أن المجتمع الجزائري ورث عن الاستعمار الفرنسي سلوكات اجتماعية سيئة لا تزال إلى حد اليوم متفشية في أوساط أفراد المجتمع من تزوير وبيروقراطية ورشوة وحقرة وتهريب وخيانة و....
4- الانبهار بالحضارة الغربية والاغتراب: مع أن الأمة العربية وإفريقيا خاطتا خطوات كبيرة نحو النهضة، وذلك لإبان تخلص معظم الدول العربية والإفريقية من سيطرة الاستعمار، وما كلفها من تضحيات جسام، وقد ظن جمهور غفير من المواطنين بأن المعركة عند هذا الحد، وأن المشروع تحقق، وذلك اكتفت الأمة العربية وإفريقيا بترديد شعارات قومية، وغاب عن هؤلاء أن الأمة العربية وإفريقيا في حقيقة الأمر أنها لم تخرج من معركة السلاح إلا وقد دخلت معركة أخرى مفروضة عليها بأساليب خفية تريد مسخ مقوماتها، ولذلك تعد اخطر من سابقاتها، إنها مقاومة المناهج الفكرية والثقافية التي ترسبت إلى تراثها الفكري ومناهجها التدريسية.
وقد تجند للقيام بهذه المهمة نخبة من الباحثين الغربيين لدراسة ثقفتنا العربية الإفريقية والغرض من هذا كله هو تطويع المناهج العلمية وتحويرها لخدمة أغراض ومآرب شخصية. ومن هنا يتضح أن الأزمة العميقة التي تتخبط فيها التعليم الجامعي في الدول العربية والإفريقية تكمن في مناهج التعليم، أن الاستعمار قد خرج من أراضيها صاغرا ولكن بقيت استراتيجياته التعليمية تنخر في قيامنا الثقافية.

لقد اشتكى المصريون الغربيون من اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر زاعمين أنه يطبق عليهم عملية التنصير والتغريب، فجمعهم وقال لهم: " هل تتصورون أنني ممكن أن أقف في طريقكم؟ ولكنكم تستخدمون وسائل خاطئة فتخطفون الرجال والأطفال وتنصرونهم قصرا، فنشأ عن ذلك رد فعل عند العرب يزيدهم تمسكا بقيمهم وعروبتهم، لكنني اتفقت مع شاب تخرج حديثا من كلية اللاهوت بلندن ليتولى وضع منهج تعليمي سيحقق لكم كل رغباتكم وكان هذا هو الأستاذ دان لوب الذي عينه كرومر مستشارا لوزارة المعارف المصرية، فوضع مناهجه التي مازالت سمومها تعمل في هذه اللحظة، وكان من أشنع ما اشتملت عليه مناهج التاريخ العربي من مخزونه الشامل وحصره في النزاعات السياسية والمذهبية، في حين لما ينهي الطالب هذا المحتوى من المنهاج بتكوين صورة قاتمة عن ذلك يفتح له المحتوى الموالي تاريخ أوروبا لتصوره صفحاته بصورة مشرقة حافلة بالنشاط الحضاري والتقدم العلمي".
ومن ثمة وبطريقة غير مباشرة يقتنع متعلم الأمس ومتعلم اليوم أن التاريخ الذي يستحق الحفاوة والإعجاب حقا هو تاريخ أوربا، وهذا ما يدعوه إلى التقليد الأوربي وضرب كل مشروع عربي إسلامي عرض الحائط. (28) وبذلك يتحقق للمستمر بهذه الطريقة ما لم يحققه بالطريقة العسكرية والسياسية.
والأدهى من ذلك والذي يؤسف له بروز صيحات ترحيبية في الوطن العربي لتطبيق المناهج الغربية بحذافيرها في جامعاتنا، فنجد لويس عوض يلح على تشكيل لجنة أو لجانا على مستوى من الخبرة لدراسة مناهج التعليم في البلدان المتقدمة ومراجعة مناهجنا على غرارها، معتبرا ذلك بأنه مسايرة لأبنائنا وبناتنا خطوة خطوة لأبناء الأوروبيين وبناتهم، وأنه هو الطريق الحقيقي للعصرنة، ولذلك لابد أن نحذو حذوهم في العلوم الاجتماعية كذلك كما وكيفا مع التركيز الخاص على جغرافيا بلادنا وتاريخها دون مبالغة في عبادة السلف.(29)
وتعدى الأمر بلويس عوض إلى اتهام تراثنا بالسذاجة والتصور ومن ثمة ينبغي طرحه جانبا، وينبغي علينا الارتماء في أحضان المناهج الغربية فهي طريق النجاة؛ حيث يقول: "فهل يحق لنا أن نأمل في بناء دولة عصرية إذا كان أبناؤنا يقتاتون على هذا الغذاء العقلي من سذجات المعرفة وخزعبلات العقائد؟ أليس أجدر بنا أن نسير في الطريق الذي تسير فيه الدول العصرية فنعيد صياغة مناهجنا وبرامجنا وقراراتنا على غرار ما يدور في المدارس الغربية".(30)
خاتمة:
إذا كنا نعترف بهذه الآثار السلبية التي خلفها الاستعمار الفرنسي في بعض جوانب الهوية الثقافية للمجتمع الجزائري ولدى بعض الفئات دون أخرى، إلا أن كل تلك المحاولات والاستمالات والأساليب

المختلفة والشرسة التي توختها الإدارة الفرنسية الاستعمارية الاستدمارية لمحو ومسح وتذويب المجتمع الجزائري في بوتقة وهوية الأمة الفرنسية لم تأتي بالنتائج المتناسبة مع الجهود المبذولة من أجلها. وكان الحائل الأكبر دون تحقيق الفرنسة والتنصير ونشر التفرقة والعداوة بين القبائل بالكيفية التي أرادها الاحتلال هو الاختلاف الجذري في العقيد الدينية وما نتج عن ذلك من اختلاف حضاري وثقافي جعل من المجتمع الفرنسي والمجتمع الجزائري نقيضين حقيقيين يفرقهما كل شيء. (31)
كما أن محاولة فرنسا للتفرقة بين أهالي المناطق المختلفة داخل الوطن على أساس اللهجات والأعراق لم تظفر إلا بالقليل طيلة عهد الاحتلال الذي دام قرن وثلث قرن، ولم يتزحزح أثناء تلك الفترة الطويلة من مَن كانت تسميهم بالبربر عن شعورهم بالانتماء إلى الأمة المحمدية (دينا ولسانا) (32) والدليل على ذلك تلك المئات من المساجد والكتاتيب والزوايا التي كان يشيدها الأهالي في منطقة القبائل الكبرى بالذات لتعليم أبنائهم الدين الإسلامي واللغة العربية مع امتناع الغالبية منهم شأن جميع أفراد المجتمع الجزائري في كافة أنحاء الوطن عن إرسال أبنائهم إلى المدارس الرسمية الفرنسية.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن شخصية شعب ما تتكون من حصيلة مميزات معينة، ومما تجدر الإشارة إليه، فإن التراث الثقافي يتمثل في حصيلة هذه المميزات العنصر الأكثر إقرارا للهوية الوطنية، وما استهداف تخريب التراث الثقافي من طرف الاستعمار للبلدان المستعمرة إلا دليل على ذلك.
فلقد كان غرض الاستعمار محو التراث الثقافي لكونه وسيلة تعبير عن هوية الشعب، لقد سعى الغزاة لإفقاد الشعوب المستعمرة ذاكرتهم الجماعية وإجادته عن أصالته وفضائل أسلافه، ولولا معجزة الثقافة الشعبية التي استطاعت أن تحفظ بجوهرها بواسطة الذاكرة حفظا وتسجيلا لتمت الجريمة تحت قناع موت طبيعي.
إن هذه الصيغة لتجريد الشعوب من ثقافتها تولدت عنها أثار مباشرة كما اتضح سالفان ولا يزال هذا الاستعمار موجودا بصيغ وأشكال أخرى من بينها "العولمة الثقافية" يغذي مخالفاتها. وهذا يعتبر أكبر تهديد مما سبق.
واليوم من حق الشعوب التي تعرضت للاستعمار أن لا تغفر للاستعمار فضائعة، وإذا كان يمكننا اعتبار سرقة أراضينا وخيراتنا "خطيئة عرضية" أمام اغتصاب شعورنا وشخصيتنا الوطنية، وعند هذه النقطة بالذات فإنه لا يجب أن نقتصر بالتنديد بالاستعمار فحسب، بل يجب تجريمه أمام التاريخ والإنسانية لمحاولته طمس ثقافتنا الوطنية الأصيلة التي ما فتئت تساهم وبجدارة في التقدم والرقي العالميين وإثراء الحضارة الإنسانية. ومطالبته بالتعويض عن أضراره المادية والمعنوية. والاستفادة من سابقة الاعتذار عن جرائم الاحتلال الايطالي لليبيا لتأسيس حركة مطالبة دولية وشعبية لإقرار مبدأ التعويض دوليا.

الهوامش:
(1)- عبد القادر فضيل، محنة اللغة العربية في فترة الاحتلال الفرنسي ومعاناتها بعد الاستقلال، مجلة اللغة العربية، عدد ممتاز، (العربية من محنة الكولونيالية إلى إشراقة الثورة التحريرية)، المجلس الأعلى للغة العربية، الجزائر، شتاء، 2005، ص: 252.
(2)- حسن نافعة، اليونيسكو وقضايا التعددية الثقافية والحضارية (رؤية عربية)، المجلة السياسية الدولية، العدد: 127، يناير 1997، ص: 23.
(3)- نفسه، ص: 22.
(4)- الهتي هادي، ثقافة الأطفال، عالم المعرفة، الكويت، 1988، ص: 25.
(5)- علي بن هادية وآخرون، القاموس الجديد للطلاب، الشركة الوطنية للنشر، الجزائر، 1979، ص: 1295.
(6)- أحمد شامية، المناهج التعليمية في المرحلتين الأساسي والثانوي في الجزائر، مجلة الصراط، كلية أصول الدين، الجزائر، العدد: 02، مارس 2001، ص: 184.
(7)- حسن نافعة، المرجع السابق، ص: 24.
(Cool- أحمد جاب الله، الخصوصيات الثقافية وموقعها في الحوار بين الحضارات، مجلة الإحياء، العدد:06، ص:164.
(9)- عبد الله الرشدان، علم اجتماع التربية، دار الشروق، 1999، ص: 143.
(10)- عبد الله الرشدان، ونعيم جعنيني، المدخل إلى التربية والتعليم، دار الشروق، عمان، الأردن، ص: 110
(11)- أحمد جاب الله، المرجع السابق، ص: 163.
(12)- عبد الله الرشدان وآخر، المرجع السابق، ص: 111.
(13)- نفسه، ص: 112.


(14)- نجاح قدور، هويتنا وتحديات العولمة، مجلة المؤتمر، المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، ليبيا، العدد: 21، السنة الثانية، الحرث/ نوفمبر، 1371 وف/ 2003م.
(15)- تركي رابح، التعليم القومي والشخصية الجزائرية، سلسلة الدراسات الكبرى، الطبعة: 2، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1981.ص: 131.
(16)- أحمد بن نعمان، وضع اللغة العربية في عهد الاحتلال، مجلة اللغة العربية، عدد ممتاز، (العربية من محنة الكولونيالية إلى إشراقة الثورة التحريرية)، المجلس الأعلى للغة العربية، الجزائر، شتاء، 2005، ص: 230.
(17)- المرجع نفسه، ص: 231.
(18)- مصطفى شريك، اللغة العربية والإستراتيجية الاستعمارية، مجلة اللغة العربية، عدد ممتاز، (العربية من محنة الكولونيالية إلى إشراقة الثورة التحريرية)، المجلس الأعلى للغة العربية، الجزائر، شتاء، 2005، ص: 361.
(19)- تركي رابح، المرجع السابق، ص: 109.
(20)- أحمد بن نعمان، المرجع السابق، ص: 232.
(21)- المرجع نفسه، ص: 233.
(22)- تركي رابح، المرجع السابق، ص ص: 314-315.
(23)- المرجع نفسه، ص ص: 116-117.
(24)- المرجع نفسه، ص: 118.
(25)- مصطفى شريك المرجع السابق، ص: 370.
(26)- صالح خرفي، مدخل إلى الأدب الجزائري الحديث، مجلة الثقافة، عدد: 21، السنة: 4، الجزائر، جوان/ جويلية، 1974، ص: 32.
(27)- المرجع نفسه، ص: 32.


(28)- عبد القادر بخوش، نحو توحيد المناهج التعليمية في الجامعات العربية والإفريقية، سلسلة إصدارات مخبر إدارة وتنمية الموارد البشرية، العدد: 01، فعاليات الملتقى الدولي أيام 28، 29 و30 أفريل 2001: "إشكالية التكوين والتعليم في إفريقيا والعالم العربي" جامعة سطيف الجزائر، 2004. ص: 132.
(29)- لويس عوض، ثقافتنا في مفترق الطرق، ط: 2، دار الآداب، بيروت، 1983، ص: 36.
(30)- المرجع نفسه، ص: 77.
(31)- أحمد نعمان، المرجع السابق، ص: 230.
(32)- المرجع نفسه، ص: 231.
study
تاج الياسمين
تاج الياسمين
المشرف العام
المشرف العام
عدد المساهمات : 8574
تاريخ التسجيل : 16/08/2010
الموقع : https://choob.yoo7.com

الاستعمار الثقافي الفرنسي للدولة الجزائرية وأثره في مقومات هويتها الثقافية Empty رد: الاستعمار الثقافي الفرنسي للدولة الجزائرية وأثره في مقومات هويتها الثقافية

السبت يونيو 18, 2011 8:07 pm
لكن رغم كل ما قامت به من اجل محو الشخصية الجزائرية العربية الاسلاامية
لكنها فشلت في الاخير
موووضوع قيم اخي
مشكور على المجهود
تحيااتي
avatar
????
زائر

الاستعمار الثقافي الفرنسي للدولة الجزائرية وأثره في مقومات هويتها الثقافية Empty رد: الاستعمار الثقافي الفرنسي للدولة الجزائرية وأثره في مقومات هويتها الثقافية

الخميس يونيو 23, 2011 4:05 pm
مرسيييي
الفارس الاسود
الفارس الاسود
المدير
المدير
عدد المساهمات : 393
تاريخ التسجيل : 05/11/2010
الموقع : https://choob.yoo7.com

الاستعمار الثقافي الفرنسي للدولة الجزائرية وأثره في مقومات هويتها الثقافية Empty رد: الاستعمار الثقافي الفرنسي للدولة الجزائرية وأثره في مقومات هويتها الثقافية

الجمعة يونيو 24, 2011 5:42 pm
شكرا لكما اختاي مهما كان فالاستعمار اغتصاب لشرف بلادنا الغالية على قلوبنا الله يحفض بلدنا الحبيبة من كل عدو متربص مغتصب تحياتي اشكركما study
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى