كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
+2
تاج الياسمين.
احمد
6 مشترك
- احمدالاداري
- عدد المساهمات : 7479
تاريخ التسجيل : 07/08/2010
كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
الخميس فبراير 03, 2011 5:36 pm
كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ
بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ﴾(الإسراء:
84)
أولاً- هذه الآية الكريمة من
الآيات التي تجري مجرى المثل ، وهي كلمة مفاصلة قاطعة للنزاع الناجم عن كون كل
يدعى أنه على الحق ، وان مذهبه هو الصوب ، وأن طريقته هي المثلى ، وأن سبيله هو
الأنفع والأجدى . والغرض منها تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كيفية
التخلص من الجدل العقيم والحوار غير المثمر ، وقد سبق ذلك قوله تعالى :﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ
إَلاَّ خَسَاراً ﴾(الإسراء:82) ، فبيَّن
سبحانه أنه ينزل من القرآن ما هو شفاء لأدواء النفوس ، ورحمة للمؤمنين ، فيزدادون به إيمانًا . وأما
الظالمون فلا يزدادون به إلا خسارًا . أي : نقصانًا ؛ لتكذيبهم به وكفرهم وعنادهم ؛ كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ
سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا
الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ *
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى
رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾(التوبة: 125) . وعن النبي صلى الله عليه وسلم :« من لم يستشف بالقرآن فلا
شفاه الله » .
ثم قال تعالى :﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى
الإِنسَانِ أَعْرَضَ
وَنَأَى بِجَانِبِهِ
وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا ﴾(الإسراء:
83) ، فوصف الإنسان بأنه إذا أنعم ربه عليه بالصحة والسعة ، أعرض عنه ونأى بجانبه ، بطرًا
واستكبارًا .
وإذا مسه الشر من فقر أو مرض أو نازلة من النوازل ، كان شديد اليأس من روح الله ،
كثير القنوط من رحمته ؛ لأنه لا يؤمن بالله تعالى ، ولا يثق برحمته وفضله . فالنعمة تطغي وتبطر ما لم يذكر الإنسان واهبها ، فيحمده
ويشكره , والشدة تيئس وتقنط ما لم يتصل الإنسان بخالقه , فيرجو ويأمل ويطمئن إلى
رحمة الله وفضله , فيتفاءل ويستبشر .
ومن
هنا تتجلى قيمة الإيمان ، وما
فيه من رحمة في السراء والضراء سواء .
وبعد أن ذكر الله تعالى
حال الفريقين ، عقَّب على ذلك بقوله :﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ
عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ﴾(الإسراء:
84) ، فقرَّر سبحانه أن كل واحد من الفريقين : المؤمن والكافر ،
والمعرض والمقبل ، والراجي والقانط ، يعمل ما يوافق مذهبه ويلائم طريقته التي
تشاكل حاله في الهدى والضلال ، والخير والشر ، والحسن والقبح ، وكل منهما
ينفق مما عنده ؛ فعمل المرء دال عليه ، و« كل إناء بما فيه ينضح »
.
وقال الرازي في التفسير
الكبير :« وفيه وجه آخر ، وهو أن المراد : أن كل أحد
يفعل على وفق ما شاكل جوهر نفسه ومقتضى روحه ؛ فإن كانت نفسه نفسًا مشرقة خيرة طاهرة
علوية ، صدرت عنه أفعال فاضلة كريمة ، وإن كانت نفسه نفسًا كدرة نذلة خبيثة مضلة
ظلمانية ، صدرت عنه أفعال خسيسة فاسدة » .
والحكم في النهاية على المذاهب
والاتجاهات والطبائع ، وما يصدر عنها من أعمال موكول للباري عز وجل ، وهذا ما
عبَّر تعالى عنه بقوله :﴿ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ
بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ﴾ . أَيْ : فربكم الذي برأكم أعلم بمن هو منكم أسدّ مذهبًا ، وأوضح
طريقًا ، وأقوم منهاجًا .
وفي هذا التقرير تهديد خفي ,
بعاقبة العمل والاتجاه , ليأخذ كل حذره , ويحاول أن يسلك سبيل الهدى ، ويجد طريقه إلى الله عز وجل . ومما تجدر الإشارة إليه هنا
: أن صاحب كتاب المنازل قد صدَّر ( باب الإرادة ) بهذه الآية الكريمة :﴿
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ . قال ابن قيم الجوزية :« وفي تصديره الباب بهذه الآية دلالة على عظم قدره وجلالة محله من هذا
العلم ؛ فإن معنى الآية : كل يعمل على ما يشاكله ويناسبه ويليق به ؛ فالفاجر يعمل
على ما يليق به ، وكذلك الكافر والمنافق ومريد الدنيا وجيفتها عامل على ما يناسبه
ولا يليق به سواه .. فكل امرىء يهفو إلى ما يحبه ، وكل امرىء يصبو إلى ما يناسبه ؛
فالمريد الصادق المحب لله يعمل ما هو اللائق به والمناسب له ، فهو يعمل على شاكلة
إرادته ، وما هو الأليق به والأنسب لها » .
ونظير الآية قول الله عز
وجل :﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ﴾(الأنعام: 135) . أي : اعملوا على غاية
تمكنكم ونهاية استطاعتكم . يعني : اعملوا ما انتم عاملون ، واثبتوا على كفركم
وعداوتكم . وقيل : على ما جبلتم عليه ، فإني عامل على ما كتب عليَّ من المصابرة
والثبات على الإسلام والاستمرار على الأعمال الصالحة . والأمر ﴿ اعْمَلُوا ﴾ للتهديد والوعيد .
ثانيًا- وافتتاح الآية الكريمة
بهذا الأمر الإلهي الحاسم ﴿ قُلْ ﴾ لإِظهار العناية بما بعد القول ، وهو
افتتاح مُوحٍ بأن الأمر هو أمر الله عز وجل وحده ، وأنه ليس لمحمد صلى الله عليه وسلم
فيه شيء ؛ إنما هو الله الآمر الذي لا مردَّ لأمره ، والحاكم الذي لا رادَّ لحكمه
. ونظير ذلك قوله تعالى :
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ
﴾(الكافرون: 1) ، ﴿ وَإِن كَذَّبُوكَ
فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ﴾(يونس: 41) .
وقوله تعالى :﴿
عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ متعلق بـ:﴿ يَعْمَلُ ﴾ . والشَّاكلةُ : أحسنُ ما قيل فيها ما قاله
الزجَّاج والزَّمخشريُّ : أنها مذهبه وطريقته ؛ من قولهم :( طريق ذو شَواكلَ ) ، وهي الطرق التي تشعَّبت منه . والدليل عليه
قوله تعالى :﴿ فَرَبُّكُمْ
أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ﴾ .
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : على شاكلته . أي
: على ناحيته . وقال مجاهد : على طبيعته . وقال أبو عبيدة : على ناحيته وخليقته .
وقال ابن قتيبة : على خليقته وطبيعته . وقال الفراء : الشاكلة : الناحية ،
والجديلة ، والطريقة ، سمعت بعض العرب يقول : وعبد الملك إِذ ذاك على جديلته ،
وابن الزبير على جديلته . يريد : على ناحيته ، وهو من الشكل . يقال : لستَ على
شكلي ، ولا شاكلتي . وقال ابن زيد : على دينه . وقال الحسن : على نِيَّته ، وهذه
الأقوال كلها متقاربة .
وقال تعالى :﴿ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
﴾ ، ولم يقل : ( يَفْعَلُ ) ؛ لأن الفعل أعم من العمل ، وهو عبارة
عن إيجاد الأثر في الشيء بسرعة من غير بطء ؛ سواء كان عن سبب ، أو غير سبب ، ويقال
لما كان بإجَادَةٍ وبدونها ، ولما كان بعلم أو بغير علم ، وقصد أو بغير قصد ، ولما
كان من الإنسان والحيوان والجماد . أما العمل فهو أخص من الفعل ، وهو عبارة عن إيجاد الأثر في
الشيء مع امتداد زمان ، ولا يقال إلا لما كان من الإنسان دون ما كان من الجماد ،
ولما كان بقصد وعلم دون ما لم يكن عن قصد وعلم . يقال : فلان يعمل الطين خزفًا .
ولا يقال : يفعل ذلك ؛ لأن فعل ذلك الشيء هو إيجاده على وجه السرعة من غير بطء ،
على ما ذكرنا .
ولمعرفة هذا الفرق بين الفعلين تأمل قوله تعالى:﴿ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾(البقرة: 25) ، وقوله :﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾(الحج: 77) ، كيف عبَّر في الأول بفعل ( عملوا ) ، حيث كان المقصود المثابرة
على عمل الصالحات ، لا الإتيان بها مرة ، أو بسرعة ، وكيف عبَّر في الثاني بفعل ( وافعلوا ) ، حيث كان المقصود سرعة
الإتيان بالخير ؛ وكأنه قيل : سارعوا في فعل الخير ؛ كما قال تعالى :﴿ فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ﴾(البقرة: 148) . وقال سبحانه :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ
فَاعِلُونَ ﴾(المؤمنون: 4) ؛ لأن المقصود من ذلك : أنهم
يأتون بالزكاة على وجه السرعة ، من غير توان أو بطء .
ثالثًا- وفي قوله تعالى :﴿
كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ ما يسأل عنه ؛ وهو : لم قال تعالى :﴿
كُلٌّ يَعْمَلُ ﴾ ، بتوحيد الخبر ، ولم يقل :( كل يعملون ) بصيغة الجمع ؛ كما قال تعالى في آية أخرى :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾(الأنبياء:
33) ؟
ويجاب عن ذلك بأن لفظ ( كل ) من ألفاظ العموم ، ويدل على الإحاطة بالشيء ، وهو
اسم واحد في لفظه ، جمع في معناه ، لازم للإضافة ، وأصله أن يستعمل توكيدًا ،
والأحسن استعماله في ابتداء الكلام . وحقه ، إن استعمل مبتدأ ، أن يضاف لفظًا إلى
نكرة شائعة في الجنس من حيث اقتضى لفظه الإحاطة ، أو يضاف إلى معرفة ، أو يجرد من
الإضافة .
1- فإذا أضيف إلى نكرة ، تعين اعتبار المعنى ،
فيما له من ضمير وغيره . والمراد باعتبار المعنى : أن
يكون على حسب المضاف إليه ، إن كان مفردًا فمفرد ، وإن كان مثنى فمثنى ، وإن كان
جمعًا فجمع ، وإن كان مذكرًا فمذكر ، وإن كان مؤنثًا فمؤنث . تقول : كل رجل عاقل ،
وكل رجلين عاقلان ، وكل رجال عاقلون . وكل امرأة عاقلة ، وكل امرأتين عاقلتان ،
وكل نساء عاقلات . ومن المفرد المذكر والمؤنث قوله تعالى :﴿ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ ﴾(الإسراء:
13) ، ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾(الأنبياء: 35) .
2- وإذا أضيف إلى معرفة ،
حسُن في خبره أن يكون مفردًا مراعاة للفظه ، وقد كثرت إضافته إلى ضمير الجمع ،
والخبر عنه مفرد . تقول : كلكم ذاهب ، وكلهم عاقل ؛ كما قال تعالى :﴿ وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾(مريم: 95) ، وكما ورد في الحديث
الصحيح :« كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته » ، فأفرد الخبر حملاً
على لفظ ( كل ) ، وهو مضاف إلى ضمير الجمع . ولا يجوز أن يقال
: كلكم راعون ، وكلكم مسئولون ، بجمع الخبر حملاً على مغنى ( كل ) ، وفاقًا للشيخ السهيلي ، وخلافًا للجمهور ومن
قال بقولهم ؛ كالدكتور فاضل السامرائي في ( لمسات بيانية ) .
قال الشيخ السهيلي في نتائج الفكر في النحو :« وإنما حسُن إفراد الخبر فيما أضيف فيه ( كل ) لمعرفة ملفوظ بها ؛ لأن من حق ( كل
) أن يكون مضافًا إلى اسم
منكر شائع في الجنس ، من حيث اقتضى الإحاطة . فإن أضفته إلى معرفة ؛ كقولك : كل
إخوتك ذاهب ، قبح إلا في الابتداء ؛ لأنه إذا كان مبتدأ في هذا الموطن ، كان خبره
بلفظ الإفراد ، تنبيهًا على أن أصله أن يضاف إلى نكرة ؛ لأن النكرة شائعة في الجنس
، وهو أيضًا يطلب جنسًا يحيط به . فإما أن تقول : كل
واحد من إخوتك ذاهب ، فيدل إفراد الخبر على المعنى الذي هو الأصل ، وهو إضافته إلى
اسم مفرد نكرة » .
ثم قال
:« وإن كانت مضافة إلى ما بعدها في اللفظ ، لم
تجد خبرها إلا مفردًا ، للحكمة التي قدمتها قبل ؛ وهي أن الأصل إضافتها إلى النكرة
المفردة ، فتقول : كل إخوتك ذاهب . أي : كل واحد منهم ذاهب . ولم يلزم ذلك حين قطعتها
عن الإضافة ، فقلت : كل ذاهبون ؛ لأن اعتمادها إذا أفردت على المذكورين قبلها ،
وعلى ما في معناها من معنى الجمع ، واعتمادها إذا أضيفت على الاسم المفرد ؛ إما
لفظًا ، وإما تقديرًا ؛ كقوله : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته . ولم يقل : راعون
ومسئولون » .
ومما أضيف فيه ( كل ) إلى المعرفة لفظًا قوله تعالى :﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾(مريم: 93) . قال أبو البقاء العُكْبَرِيُّ في إعراب القرآن :« ووحد (
آتِي ) حَمْلاً على لفظ ( كل ) ، وقد جمع في موضع آخر ، حَمْلاً على معناها » .
وعقَّب شهاب الدين على قول العكبري قائلاً :« قوله : في موضع آخر ، إن عنى في القرآن ، فلم يأت الجمع إلا و( كل ) مقطوعة عن الإضافة ؛ نحو :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾(الأنبياء:
33) ، ﴿ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾(النمل
: 87) . وإن عنى في غيره ،
فيحتاج إلى سماع عن العرب » .
وقال أبو حيان في البحر
:« و( كل )
إذا أضيف إلى معرفة ملفوظ بها ؛ نحو :( كلهم ) ، و( كل
الناس ) ، فالمنقول أنه يجوز أن
يعود الضمير مفردًا على لفظ ( كل ) ،
فتقول :( كلكم ذاهب ) ، ويجوز أن يعود جمعًا مراعاة للمعنى ، فتقول :
( كلكم ذاهبون ) ، وحكى إبراهيم بن أصبغ في كتاب رؤوس المسائل
الاتفاق على جواز الوجهين .. وقد خدش في ذلك أبو زيد السهيلي ، فقال : ( كل ) إذا ابتدئت وكانت مضافة لفظًا- يعني : إلى
معرفة- فلا يحسن إلا إفراد الخبر حَمْلاً على المعنى . تقول : كلكم ذاهب . أي : كل
واحد منكم ذاهب . هكذا هذه المسألة في القرآن والحديث والكلام الفصيح » .
وأضاف أبو حيان قائلاً :« ويحتاج في إثبات ( كلكم ذاهبون ) ، بالجمع ونحوه ، إلى سماع ، ونقل عن العرب . أما إن حذف المضاف
المعرفة فالمسموع من العرب الوجهان » .
وقال مرتضى الزّبيدي في تاج العروس :« نقل الشيخ تقي الدين السبكي عن شيخه أبي حيان ، قال : ولا يكاد يوجد
في لسان العرب : كلهم يقومون ، ولا كلهن قائمات ، وإن كان موجودًا في تمثيل كثير
من النحاة . ونقل عن ابن السراج أن ( كلا ) لا
يقع على واحد في معنى الجمع ؛ إلا وذلك الواحد نكرة . وهذا يقتضي امتناع إضافة كل
إلى المفرد المعرف بالألف واللام التي يراد بها العموم » .
3- وإذا قطع عن الإضافة لفظًا ، فحقه أن يبتدأ الكلام
به ، فيكون مبتدأ يخبر عنه ، أو مبتدأ باللفظ منصوب بفعل بعده لا قبله ، أو مجرور يتعلق
خافضه بما بعده ؛ نحو قوله تعالى :﴿ وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ ﴾(النساء:
95) ، وقول ابن الدُّمَيْنَة
:
بكلٍّ تَدَاوَينْا فلم يَشْفِ ما بنا ... عَلَى أنّ قُربَ الدَّارِ خيرٌُ
من البُعْد
فإن كان مبتدأ ، جاز
في خبره الإفراد مراعاة للفظه ، وجاز الجمع مراعاة لمعناه . قيل : والجمع هو
الأكثر والأحسن . تقول : كل ذاهب أو يذهب ، وكل ذاهبون أو يذهبون . وعلى الأول ورد
قوله تعالى :﴿ قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا ﴾(طه: 135) ، ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ ﴾(الإسراء:
84) . وعلى الثاني ورد قوله تعالى
:﴿ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴾(الأنبياء: 93) ، ﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ
يَسْبَحُونَ ﴾(الأنبياء: 33) .
وهذا الذي ذكرناه هو
مذهب الجمهور ، وخالف في ذلك الشيخ السهيلي ، فذهب إلى القول :« وإذا قطعت عن الإضافة وأخذ عنها ، فحقها أن تكون ابتداء ، ويكون
خبرها جمعًا ، ولا بد من مذكورين قبلها ؛ لأنها إن لم تذكر قبلها جملة ولا أضيف
إلى جملة ، بطل معنى الإحاطة فيها ، ولم يعقل لها معنى . وإنما وجب أن يكون خبرها
جمعًا ؛ لأنها اسم في معنى الجمع ، فتقول : كل ذاهبون ، إذا تقدم ذكر قوم ؛ لأنك
معتمد في المعنى عليهم ، وإن كنت مخبرًا عن ( كل ) ، فصارت بمنزلة قولك : الرهط ذاهبون ، والنفر
منطلقون ؛ لأن الرهط والنفر اسمان مفردان ؛ ولكنهما في معنى الجمع » .
واستطرد السهيلي قائلاً
:« فإن قيل : فقد ورد في القرآن :﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى
شَاكِلَتِهِ ﴾(الإسراء: 84) ، ﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾(ق:
14) ، وهذا يناقض ما أصلتم
. قيل : إن في هاتين الآيتين قرينة تقتضي تخصيص المعنى بهذا اللفظ ، دون غيره .
أما قوله تعالى :﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى
شَاكِلَتِهِ ﴾(الإسراء: 84) فلأن قبلها ذكر فريقين مختلفين : ذكر مؤمنين ،
وظالمين . فلو قال :(
يعملون ) ، وجمعهم في الإخبار
عنهم ، لبطل معنى الاختلاف ، فكان لفظ الإفراد أدل على المعنى المراد ؛ كأنه يقول
: كل فهو يعمل على شاكلته .
وأما قوله :﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾(ق:
14) فلأنه ذكر قرونًا
وأممًا ، وختم ذكرهم بذكر قوم تبع ، فلو قال :( كل كذبوا ) ، و( كل )
إذا أفردت ، إنما تعتمد على أقرب المذكورين إليها ، فكان يذهب الوهم إلى أن
الإخبار عن قوم تبع خاصة بأنهم كذبوا الرسل . فلما قال :﴿ كُلٌّ كَذَّبَ ﴾ ، علم أنه يريد كل فريق منهم ؛ لأن إفراد الخبر
عن ( كل ) حيث وقع إنما يدل على هذا المعنى » .
رابعًا- إذا عرفت هذا ، فاعلم أنك إذا قلت :( كل ذاهبون ) ، بجمع الخبر حملاً على معنى ( كل ) ، احتمل أن يكون كل واحد منهم ذاهب بمفرده ،
واحتمل أن يكونوا اجتمعوا كلهم في الذهاب ، وفي زمن واحد ؛ لأنك أخبرت عن جملتهم
بخبر واقع عن الجملة . وهذا بخلاف ، لو أنك قلت :( كلكم ذاهب ) ، أو ( كل ذاهب ) ؛ فإنما هو إخبار عن ذهاب كل واحد منهم على
حدة ، وفي أزمان متفرقة .
فتأمل على هذا قوله تعالى :﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ
كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ ﴾(البقرة: 285) ، ﴿ قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا ﴾(طه: 135) ، كيف أفرد الخبر فيهما ؛ لأنه لم يرد اجتماعهم
فيه . وقال تعالى :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾(الأنبياء:
33) ، ﴿ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴾(الأنبياء: 93) ، فجمع الخبر فيهما ؛ لأنه أريد الاجتماع فيه
.
قال ابن قيم الجوزية :« ولا يرد على هذا بقوله تعالى :﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴾(الروم:
26) ؛ بل هو تحقيق له وشاهد
؛ لأن القنوت هنا هو العبودية العامة التي يشترك فيها أهل السموات والأرض ، لا
يختص بها بعضهم عن بعض ، ولا يختص بزمان دون زمان ، وهي عبودية القهر . فالقنوت
هنا قنوت قهر وذل ، لا قنوت طاعة ومحبة . وهذا بخلاف قوله تعالى
:﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾(الرحمن: 26) ؛ فإنه أفرد ، لما لم يجتمعوا في الفناء .
ونظيره قوله :” كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته “ ، فإن الله تعالى يسأل
كل راع بمفرده .
وتأمل كيف كشف قناع هذا المعنى وأوضحه كل
الإيضاح بقوله تعالى :﴿ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾(مريم:
95) ، كيف أفرد ( آتيه ) ، لما كان المقصود الإشارة إلى أنهم ، وإن
أتوه جميعًا ، فكل واحد منهم منفرد عن كل فريق ، من صاحب ، أو قريب ، أو رفيق ؛ بل
هو وحده منفرد ، فكأنه إنما أتاه وحده ، وإن أتاه مع غيره ، لانقطاع تبعيته للغير
، وانفراده بشأن نفسه » .
وانتهى ابن قيم الجوزية من ذلك إلى القول :« فهذا عندي أحسن من الفرق بالإضافة وقطعها ، والفرق بذلك فرقه السهيلي-
رحمه الله تعالى- فتأمل الفرقيْن ، واستقرأ الأمثلة والشواهد » .
بقلم : محمد إسماعيل عتوك
﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ
بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ﴾(الإسراء:
84)
أولاً- هذه الآية الكريمة من
الآيات التي تجري مجرى المثل ، وهي كلمة مفاصلة قاطعة للنزاع الناجم عن كون كل
يدعى أنه على الحق ، وان مذهبه هو الصوب ، وأن طريقته هي المثلى ، وأن سبيله هو
الأنفع والأجدى . والغرض منها تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كيفية
التخلص من الجدل العقيم والحوار غير المثمر ، وقد سبق ذلك قوله تعالى :﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ
إَلاَّ خَسَاراً ﴾(الإسراء:82) ، فبيَّن
سبحانه أنه ينزل من القرآن ما هو شفاء لأدواء النفوس ، ورحمة للمؤمنين ، فيزدادون به إيمانًا . وأما
الظالمون فلا يزدادون به إلا خسارًا . أي : نقصانًا ؛ لتكذيبهم به وكفرهم وعنادهم ؛ كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ
سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا
الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ *
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى
رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾(التوبة: 125) . وعن النبي صلى الله عليه وسلم :« من لم يستشف بالقرآن فلا
شفاه الله » .
ثم قال تعالى :﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى
الإِنسَانِ أَعْرَضَ
وَنَأَى بِجَانِبِهِ
وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا ﴾(الإسراء:
83) ، فوصف الإنسان بأنه إذا أنعم ربه عليه بالصحة والسعة ، أعرض عنه ونأى بجانبه ، بطرًا
واستكبارًا .
وإذا مسه الشر من فقر أو مرض أو نازلة من النوازل ، كان شديد اليأس من روح الله ،
كثير القنوط من رحمته ؛ لأنه لا يؤمن بالله تعالى ، ولا يثق برحمته وفضله . فالنعمة تطغي وتبطر ما لم يذكر الإنسان واهبها ، فيحمده
ويشكره , والشدة تيئس وتقنط ما لم يتصل الإنسان بخالقه , فيرجو ويأمل ويطمئن إلى
رحمة الله وفضله , فيتفاءل ويستبشر .
ومن
هنا تتجلى قيمة الإيمان ، وما
فيه من رحمة في السراء والضراء سواء .
وبعد أن ذكر الله تعالى
حال الفريقين ، عقَّب على ذلك بقوله :﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ
عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ﴾(الإسراء:
84) ، فقرَّر سبحانه أن كل واحد من الفريقين : المؤمن والكافر ،
والمعرض والمقبل ، والراجي والقانط ، يعمل ما يوافق مذهبه ويلائم طريقته التي
تشاكل حاله في الهدى والضلال ، والخير والشر ، والحسن والقبح ، وكل منهما
ينفق مما عنده ؛ فعمل المرء دال عليه ، و« كل إناء بما فيه ينضح »
.
وقال الرازي في التفسير
الكبير :« وفيه وجه آخر ، وهو أن المراد : أن كل أحد
يفعل على وفق ما شاكل جوهر نفسه ومقتضى روحه ؛ فإن كانت نفسه نفسًا مشرقة خيرة طاهرة
علوية ، صدرت عنه أفعال فاضلة كريمة ، وإن كانت نفسه نفسًا كدرة نذلة خبيثة مضلة
ظلمانية ، صدرت عنه أفعال خسيسة فاسدة » .
والحكم في النهاية على المذاهب
والاتجاهات والطبائع ، وما يصدر عنها من أعمال موكول للباري عز وجل ، وهذا ما
عبَّر تعالى عنه بقوله :﴿ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ
بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ﴾ . أَيْ : فربكم الذي برأكم أعلم بمن هو منكم أسدّ مذهبًا ، وأوضح
طريقًا ، وأقوم منهاجًا .
وفي هذا التقرير تهديد خفي ,
بعاقبة العمل والاتجاه , ليأخذ كل حذره , ويحاول أن يسلك سبيل الهدى ، ويجد طريقه إلى الله عز وجل . ومما تجدر الإشارة إليه هنا
: أن صاحب كتاب المنازل قد صدَّر ( باب الإرادة ) بهذه الآية الكريمة :﴿
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ . قال ابن قيم الجوزية :« وفي تصديره الباب بهذه الآية دلالة على عظم قدره وجلالة محله من هذا
العلم ؛ فإن معنى الآية : كل يعمل على ما يشاكله ويناسبه ويليق به ؛ فالفاجر يعمل
على ما يليق به ، وكذلك الكافر والمنافق ومريد الدنيا وجيفتها عامل على ما يناسبه
ولا يليق به سواه .. فكل امرىء يهفو إلى ما يحبه ، وكل امرىء يصبو إلى ما يناسبه ؛
فالمريد الصادق المحب لله يعمل ما هو اللائق به والمناسب له ، فهو يعمل على شاكلة
إرادته ، وما هو الأليق به والأنسب لها » .
ونظير الآية قول الله عز
وجل :﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ﴾(الأنعام: 135) . أي : اعملوا على غاية
تمكنكم ونهاية استطاعتكم . يعني : اعملوا ما انتم عاملون ، واثبتوا على كفركم
وعداوتكم . وقيل : على ما جبلتم عليه ، فإني عامل على ما كتب عليَّ من المصابرة
والثبات على الإسلام والاستمرار على الأعمال الصالحة . والأمر ﴿ اعْمَلُوا ﴾ للتهديد والوعيد .
ثانيًا- وافتتاح الآية الكريمة
بهذا الأمر الإلهي الحاسم ﴿ قُلْ ﴾ لإِظهار العناية بما بعد القول ، وهو
افتتاح مُوحٍ بأن الأمر هو أمر الله عز وجل وحده ، وأنه ليس لمحمد صلى الله عليه وسلم
فيه شيء ؛ إنما هو الله الآمر الذي لا مردَّ لأمره ، والحاكم الذي لا رادَّ لحكمه
. ونظير ذلك قوله تعالى :
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ
﴾(الكافرون: 1) ، ﴿ وَإِن كَذَّبُوكَ
فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ﴾(يونس: 41) .
وقوله تعالى :﴿
عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ متعلق بـ:﴿ يَعْمَلُ ﴾ . والشَّاكلةُ : أحسنُ ما قيل فيها ما قاله
الزجَّاج والزَّمخشريُّ : أنها مذهبه وطريقته ؛ من قولهم :( طريق ذو شَواكلَ ) ، وهي الطرق التي تشعَّبت منه . والدليل عليه
قوله تعالى :﴿ فَرَبُّكُمْ
أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ﴾ .
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : على شاكلته . أي
: على ناحيته . وقال مجاهد : على طبيعته . وقال أبو عبيدة : على ناحيته وخليقته .
وقال ابن قتيبة : على خليقته وطبيعته . وقال الفراء : الشاكلة : الناحية ،
والجديلة ، والطريقة ، سمعت بعض العرب يقول : وعبد الملك إِذ ذاك على جديلته ،
وابن الزبير على جديلته . يريد : على ناحيته ، وهو من الشكل . يقال : لستَ على
شكلي ، ولا شاكلتي . وقال ابن زيد : على دينه . وقال الحسن : على نِيَّته ، وهذه
الأقوال كلها متقاربة .
وقال تعالى :﴿ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
﴾ ، ولم يقل : ( يَفْعَلُ ) ؛ لأن الفعل أعم من العمل ، وهو عبارة
عن إيجاد الأثر في الشيء بسرعة من غير بطء ؛ سواء كان عن سبب ، أو غير سبب ، ويقال
لما كان بإجَادَةٍ وبدونها ، ولما كان بعلم أو بغير علم ، وقصد أو بغير قصد ، ولما
كان من الإنسان والحيوان والجماد . أما العمل فهو أخص من الفعل ، وهو عبارة عن إيجاد الأثر في
الشيء مع امتداد زمان ، ولا يقال إلا لما كان من الإنسان دون ما كان من الجماد ،
ولما كان بقصد وعلم دون ما لم يكن عن قصد وعلم . يقال : فلان يعمل الطين خزفًا .
ولا يقال : يفعل ذلك ؛ لأن فعل ذلك الشيء هو إيجاده على وجه السرعة من غير بطء ،
على ما ذكرنا .
ولمعرفة هذا الفرق بين الفعلين تأمل قوله تعالى:﴿ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾(البقرة: 25) ، وقوله :﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾(الحج: 77) ، كيف عبَّر في الأول بفعل ( عملوا ) ، حيث كان المقصود المثابرة
على عمل الصالحات ، لا الإتيان بها مرة ، أو بسرعة ، وكيف عبَّر في الثاني بفعل ( وافعلوا ) ، حيث كان المقصود سرعة
الإتيان بالخير ؛ وكأنه قيل : سارعوا في فعل الخير ؛ كما قال تعالى :﴿ فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ﴾(البقرة: 148) . وقال سبحانه :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ
فَاعِلُونَ ﴾(المؤمنون: 4) ؛ لأن المقصود من ذلك : أنهم
يأتون بالزكاة على وجه السرعة ، من غير توان أو بطء .
ثالثًا- وفي قوله تعالى :﴿
كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ ما يسأل عنه ؛ وهو : لم قال تعالى :﴿
كُلٌّ يَعْمَلُ ﴾ ، بتوحيد الخبر ، ولم يقل :( كل يعملون ) بصيغة الجمع ؛ كما قال تعالى في آية أخرى :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾(الأنبياء:
33) ؟
ويجاب عن ذلك بأن لفظ ( كل ) من ألفاظ العموم ، ويدل على الإحاطة بالشيء ، وهو
اسم واحد في لفظه ، جمع في معناه ، لازم للإضافة ، وأصله أن يستعمل توكيدًا ،
والأحسن استعماله في ابتداء الكلام . وحقه ، إن استعمل مبتدأ ، أن يضاف لفظًا إلى
نكرة شائعة في الجنس من حيث اقتضى لفظه الإحاطة ، أو يضاف إلى معرفة ، أو يجرد من
الإضافة .
1- فإذا أضيف إلى نكرة ، تعين اعتبار المعنى ،
فيما له من ضمير وغيره . والمراد باعتبار المعنى : أن
يكون على حسب المضاف إليه ، إن كان مفردًا فمفرد ، وإن كان مثنى فمثنى ، وإن كان
جمعًا فجمع ، وإن كان مذكرًا فمذكر ، وإن كان مؤنثًا فمؤنث . تقول : كل رجل عاقل ،
وكل رجلين عاقلان ، وكل رجال عاقلون . وكل امرأة عاقلة ، وكل امرأتين عاقلتان ،
وكل نساء عاقلات . ومن المفرد المذكر والمؤنث قوله تعالى :﴿ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ ﴾(الإسراء:
13) ، ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾(الأنبياء: 35) .
2- وإذا أضيف إلى معرفة ،
حسُن في خبره أن يكون مفردًا مراعاة للفظه ، وقد كثرت إضافته إلى ضمير الجمع ،
والخبر عنه مفرد . تقول : كلكم ذاهب ، وكلهم عاقل ؛ كما قال تعالى :﴿ وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾(مريم: 95) ، وكما ورد في الحديث
الصحيح :« كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته » ، فأفرد الخبر حملاً
على لفظ ( كل ) ، وهو مضاف إلى ضمير الجمع . ولا يجوز أن يقال
: كلكم راعون ، وكلكم مسئولون ، بجمع الخبر حملاً على مغنى ( كل ) ، وفاقًا للشيخ السهيلي ، وخلافًا للجمهور ومن
قال بقولهم ؛ كالدكتور فاضل السامرائي في ( لمسات بيانية ) .
قال الشيخ السهيلي في نتائج الفكر في النحو :« وإنما حسُن إفراد الخبر فيما أضيف فيه ( كل ) لمعرفة ملفوظ بها ؛ لأن من حق ( كل
) أن يكون مضافًا إلى اسم
منكر شائع في الجنس ، من حيث اقتضى الإحاطة . فإن أضفته إلى معرفة ؛ كقولك : كل
إخوتك ذاهب ، قبح إلا في الابتداء ؛ لأنه إذا كان مبتدأ في هذا الموطن ، كان خبره
بلفظ الإفراد ، تنبيهًا على أن أصله أن يضاف إلى نكرة ؛ لأن النكرة شائعة في الجنس
، وهو أيضًا يطلب جنسًا يحيط به . فإما أن تقول : كل
واحد من إخوتك ذاهب ، فيدل إفراد الخبر على المعنى الذي هو الأصل ، وهو إضافته إلى
اسم مفرد نكرة » .
ثم قال
:« وإن كانت مضافة إلى ما بعدها في اللفظ ، لم
تجد خبرها إلا مفردًا ، للحكمة التي قدمتها قبل ؛ وهي أن الأصل إضافتها إلى النكرة
المفردة ، فتقول : كل إخوتك ذاهب . أي : كل واحد منهم ذاهب . ولم يلزم ذلك حين قطعتها
عن الإضافة ، فقلت : كل ذاهبون ؛ لأن اعتمادها إذا أفردت على المذكورين قبلها ،
وعلى ما في معناها من معنى الجمع ، واعتمادها إذا أضيفت على الاسم المفرد ؛ إما
لفظًا ، وإما تقديرًا ؛ كقوله : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته . ولم يقل : راعون
ومسئولون » .
ومما أضيف فيه ( كل ) إلى المعرفة لفظًا قوله تعالى :﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾(مريم: 93) . قال أبو البقاء العُكْبَرِيُّ في إعراب القرآن :« ووحد (
آتِي ) حَمْلاً على لفظ ( كل ) ، وقد جمع في موضع آخر ، حَمْلاً على معناها » .
وعقَّب شهاب الدين على قول العكبري قائلاً :« قوله : في موضع آخر ، إن عنى في القرآن ، فلم يأت الجمع إلا و( كل ) مقطوعة عن الإضافة ؛ نحو :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾(الأنبياء:
33) ، ﴿ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾(النمل
: 87) . وإن عنى في غيره ،
فيحتاج إلى سماع عن العرب » .
وقال أبو حيان في البحر
:« و( كل )
إذا أضيف إلى معرفة ملفوظ بها ؛ نحو :( كلهم ) ، و( كل
الناس ) ، فالمنقول أنه يجوز أن
يعود الضمير مفردًا على لفظ ( كل ) ،
فتقول :( كلكم ذاهب ) ، ويجوز أن يعود جمعًا مراعاة للمعنى ، فتقول :
( كلكم ذاهبون ) ، وحكى إبراهيم بن أصبغ في كتاب رؤوس المسائل
الاتفاق على جواز الوجهين .. وقد خدش في ذلك أبو زيد السهيلي ، فقال : ( كل ) إذا ابتدئت وكانت مضافة لفظًا- يعني : إلى
معرفة- فلا يحسن إلا إفراد الخبر حَمْلاً على المعنى . تقول : كلكم ذاهب . أي : كل
واحد منكم ذاهب . هكذا هذه المسألة في القرآن والحديث والكلام الفصيح » .
وأضاف أبو حيان قائلاً :« ويحتاج في إثبات ( كلكم ذاهبون ) ، بالجمع ونحوه ، إلى سماع ، ونقل عن العرب . أما إن حذف المضاف
المعرفة فالمسموع من العرب الوجهان » .
وقال مرتضى الزّبيدي في تاج العروس :« نقل الشيخ تقي الدين السبكي عن شيخه أبي حيان ، قال : ولا يكاد يوجد
في لسان العرب : كلهم يقومون ، ولا كلهن قائمات ، وإن كان موجودًا في تمثيل كثير
من النحاة . ونقل عن ابن السراج أن ( كلا ) لا
يقع على واحد في معنى الجمع ؛ إلا وذلك الواحد نكرة . وهذا يقتضي امتناع إضافة كل
إلى المفرد المعرف بالألف واللام التي يراد بها العموم » .
3- وإذا قطع عن الإضافة لفظًا ، فحقه أن يبتدأ الكلام
به ، فيكون مبتدأ يخبر عنه ، أو مبتدأ باللفظ منصوب بفعل بعده لا قبله ، أو مجرور يتعلق
خافضه بما بعده ؛ نحو قوله تعالى :﴿ وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ ﴾(النساء:
95) ، وقول ابن الدُّمَيْنَة
:
بكلٍّ تَدَاوَينْا فلم يَشْفِ ما بنا ... عَلَى أنّ قُربَ الدَّارِ خيرٌُ
من البُعْد
فإن كان مبتدأ ، جاز
في خبره الإفراد مراعاة للفظه ، وجاز الجمع مراعاة لمعناه . قيل : والجمع هو
الأكثر والأحسن . تقول : كل ذاهب أو يذهب ، وكل ذاهبون أو يذهبون . وعلى الأول ورد
قوله تعالى :﴿ قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا ﴾(طه: 135) ، ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ ﴾(الإسراء:
84) . وعلى الثاني ورد قوله تعالى
:﴿ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴾(الأنبياء: 93) ، ﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ
يَسْبَحُونَ ﴾(الأنبياء: 33) .
وهذا الذي ذكرناه هو
مذهب الجمهور ، وخالف في ذلك الشيخ السهيلي ، فذهب إلى القول :« وإذا قطعت عن الإضافة وأخذ عنها ، فحقها أن تكون ابتداء ، ويكون
خبرها جمعًا ، ولا بد من مذكورين قبلها ؛ لأنها إن لم تذكر قبلها جملة ولا أضيف
إلى جملة ، بطل معنى الإحاطة فيها ، ولم يعقل لها معنى . وإنما وجب أن يكون خبرها
جمعًا ؛ لأنها اسم في معنى الجمع ، فتقول : كل ذاهبون ، إذا تقدم ذكر قوم ؛ لأنك
معتمد في المعنى عليهم ، وإن كنت مخبرًا عن ( كل ) ، فصارت بمنزلة قولك : الرهط ذاهبون ، والنفر
منطلقون ؛ لأن الرهط والنفر اسمان مفردان ؛ ولكنهما في معنى الجمع » .
واستطرد السهيلي قائلاً
:« فإن قيل : فقد ورد في القرآن :﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى
شَاكِلَتِهِ ﴾(الإسراء: 84) ، ﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾(ق:
14) ، وهذا يناقض ما أصلتم
. قيل : إن في هاتين الآيتين قرينة تقتضي تخصيص المعنى بهذا اللفظ ، دون غيره .
أما قوله تعالى :﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى
شَاكِلَتِهِ ﴾(الإسراء: 84) فلأن قبلها ذكر فريقين مختلفين : ذكر مؤمنين ،
وظالمين . فلو قال :(
يعملون ) ، وجمعهم في الإخبار
عنهم ، لبطل معنى الاختلاف ، فكان لفظ الإفراد أدل على المعنى المراد ؛ كأنه يقول
: كل فهو يعمل على شاكلته .
وأما قوله :﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾(ق:
14) فلأنه ذكر قرونًا
وأممًا ، وختم ذكرهم بذكر قوم تبع ، فلو قال :( كل كذبوا ) ، و( كل )
إذا أفردت ، إنما تعتمد على أقرب المذكورين إليها ، فكان يذهب الوهم إلى أن
الإخبار عن قوم تبع خاصة بأنهم كذبوا الرسل . فلما قال :﴿ كُلٌّ كَذَّبَ ﴾ ، علم أنه يريد كل فريق منهم ؛ لأن إفراد الخبر
عن ( كل ) حيث وقع إنما يدل على هذا المعنى » .
رابعًا- إذا عرفت هذا ، فاعلم أنك إذا قلت :( كل ذاهبون ) ، بجمع الخبر حملاً على معنى ( كل ) ، احتمل أن يكون كل واحد منهم ذاهب بمفرده ،
واحتمل أن يكونوا اجتمعوا كلهم في الذهاب ، وفي زمن واحد ؛ لأنك أخبرت عن جملتهم
بخبر واقع عن الجملة . وهذا بخلاف ، لو أنك قلت :( كلكم ذاهب ) ، أو ( كل ذاهب ) ؛ فإنما هو إخبار عن ذهاب كل واحد منهم على
حدة ، وفي أزمان متفرقة .
فتأمل على هذا قوله تعالى :﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ
كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ ﴾(البقرة: 285) ، ﴿ قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا ﴾(طه: 135) ، كيف أفرد الخبر فيهما ؛ لأنه لم يرد اجتماعهم
فيه . وقال تعالى :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾(الأنبياء:
33) ، ﴿ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴾(الأنبياء: 93) ، فجمع الخبر فيهما ؛ لأنه أريد الاجتماع فيه
.
قال ابن قيم الجوزية :« ولا يرد على هذا بقوله تعالى :﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ﴾(الروم:
26) ؛ بل هو تحقيق له وشاهد
؛ لأن القنوت هنا هو العبودية العامة التي يشترك فيها أهل السموات والأرض ، لا
يختص بها بعضهم عن بعض ، ولا يختص بزمان دون زمان ، وهي عبودية القهر . فالقنوت
هنا قنوت قهر وذل ، لا قنوت طاعة ومحبة . وهذا بخلاف قوله تعالى
:﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾(الرحمن: 26) ؛ فإنه أفرد ، لما لم يجتمعوا في الفناء .
ونظيره قوله :” كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته “ ، فإن الله تعالى يسأل
كل راع بمفرده .
وتأمل كيف كشف قناع هذا المعنى وأوضحه كل
الإيضاح بقوله تعالى :﴿ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾(مريم:
95) ، كيف أفرد ( آتيه ) ، لما كان المقصود الإشارة إلى أنهم ، وإن
أتوه جميعًا ، فكل واحد منهم منفرد عن كل فريق ، من صاحب ، أو قريب ، أو رفيق ؛ بل
هو وحده منفرد ، فكأنه إنما أتاه وحده ، وإن أتاه مع غيره ، لانقطاع تبعيته للغير
، وانفراده بشأن نفسه » .
وانتهى ابن قيم الجوزية من ذلك إلى القول :« فهذا عندي أحسن من الفرق بالإضافة وقطعها ، والفرق بذلك فرقه السهيلي-
رحمه الله تعالى- فتأمل الفرقيْن ، واستقرأ الأمثلة والشواهد » .
بقلم : محمد إسماعيل عتوك
- تاج الياسمين.المشرف العام
- عدد المساهمات : 1795
تاريخ التسجيل : 20/09/2010
الموقع : https://choob.yoo7.com
رد: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
الخميس فبراير 03, 2011 5:47 pm
- mada is lifeنائب المدير الاول
- عدد المساهمات : 3082
تاريخ التسجيل : 16/09/2010
العمر : 29
الموقع : https://choob.yoo7.com
رد: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
الأحد فبراير 06, 2011 5:20 pm
شكرا على الموضوع الرااائع والقيم اخي الغالي
تحياتي
تحياتي
- abfelhamid10الاعضاء
- عدد المساهمات : 5055
تاريخ التسجيل : 24/01/2011
رد: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
الأحد فبراير 06, 2011 7:14 pm
بارك الله فيك اخي
- أســــ الذكريات ــــيرالمراقب العام
- عدد المساهمات : 3987
تاريخ التسجيل : 21/10/2010
العمر : 30
رد: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
السبت مارس 26, 2011 5:29 pm
- احمدالاداري
- عدد المساهمات : 7479
تاريخ التسجيل : 07/08/2010
رد: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
السبت مارس 26, 2011 7:24 pm
آلـنـآس كــ { آلعطور }
- sad smileالمراقب العام
- عدد المساهمات : 4405
تاريخ التسجيل : 13/01/2011
الموقع : في دار بابا
رد: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
الجمعة أبريل 15, 2011 3:58 pm
شكرا جزيلا
تحياتي
تحياتي
- احمدالاداري
- عدد المساهمات : 7479
تاريخ التسجيل : 07/08/2010
رد: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ
السبت يوليو 02, 2011 11:30 am
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى