جريمة في ثوب امراة

+
----
-
.. الآن .. أبدو كدخان ..
.. أتصاعدُ رويداً رويداً من اشتعالِ حطب .. و احتراقِ بقايا رماد ..
.. لألامسَ زوايا الغرفة التي ملّتْ استنشاقَ الهواء ..
.. و آثرتْ اقترافَ الحنين
.. قافلاتٌ من الأشباحِ والأطيافِ تسكنني ..
.. وملايينٌ من الوجوهِ ترتسمُ على جدرانِ ذاكرتي ..
.. وآلافٌ من الأصابعِ تنقرُ على زجاجِ مخيّلتي ..
.. صراعٌ متخلّفٌ يبدو كحربِ إراقةِ دماء بين قبيلتين في عصرِ الجاهليّة ..
.. ينشبُ يوميّاً بين عالمي وعالمهم ..
.. بالغــرور اتّهمـــوني ..
.. سجّلوا اسمي في القائمة السّوداء كمجرمة حديثة الطراز ..
.. مجرمـــةٌ أنـــا .. لكوني حُـــرّة ..
.. مجرمةٌ .. لأنّي أتنفّسُ من غيرِ أن أعلمهم بذلك ..
.. لأنّي آكلُ وأشربُ من غير أن أقدّمَ لهم سيناريو يوميّاتي ..
.. لأنّي أتوهُ في الشّوارعِ ..
.. غير مراعيةً لآثار أقدامي في الوحل ..
.. والتي تدلُّ على أنّي كنتُ هُنا قبلاً !
.. لأنّي ألاحقُ فراشاتِ الحُلم ..
.. وأرفضُ الاستيقاظَ في عالمٍ بُنيَ على أنقاضِ الخُرافات والكذب والمجاملات !
.. مجـــرمةٌ أنـــا ..
.. لأنّي صرختُ " لا " في وجوههم ..
.. في وقتٍ كانَ يجبُ عليّ قولَ " نعم " .. متنكّرةً بـ زيِّ ببّغـاء !
.. لأنّي لم أقفْ عند الإشارة الحمراء ..
.. لأنّي لم أتحرّكْ عند الإشارة الخضراء ..
.. لأنّي مارستُ لعبةَ القفزِ فوقَ الحواجز ..
.. لأنّي لم أخترْ مكاني على خطّ الحدود ..
.. لأنّي خنتُ العادات والتقاليد ..
.. وحذفتُ قوانين الأنثى من سجلِّ واجباتي ..
.. وألغيتُ لقاءي مع الحُبّ من جدول مواعيدي !
.. مجـــرمةٌ أنـــا ..
.. لأنّي لم أرمّمْ قوقعتي بأحجارٍ نمت عليها الطّحالب ..
.. لأنّي نثرتُ بذورَ البنفسج في الزوايا بدلاً من أتركها لتكاثرِ العناكب ..
.. لأنّي صنعتُ لنفسي صباحاً وليلاً .. شمساً وكواكب ..
.. لأنّي بنيتُ قصوراً فاتنة .. من أنقاض وخرائب !
.. نعــــم .. من عالمٍ آخرَ أنــــا ..
.. ثائرة .. متمرّدة .. وحـــرّة ..
.. لستُ بالتي تتحمّلُ الذنبَ لقضمها التفاحة ..
.. حتّى تتلبّسها الخطيئة الأولى ..
.. وتنصاعُ لاتّهاماتِ آدم بخيانته !
.. أنا التي نفت بذورَ التفاحِ إلى حقولٍ سامّة ..
.. وأمرتْ آدم بأن يزرعها ويحصدها !
.. إنّي امــــرأةٌ اتسّمت بالوفاءِ لكلِّ من تركَ بصمةً على جناحيها ..
.. امــــــرأةٌ ما زالتْ تشتاقُ لرائحةِ الترابِ الذي وأدتْ فيه منذ الجاهليّة ..
.. فقدْ صقلَ لها جناحيها .. وصارا من حديد !
.. وما زالتْ تحنُّ إلى بركِ الوحلِ التي كانتْ تلعبُ فيها ..
.. وإلى المطر الذي كان يبللُ جديلتيها ..
.. ما زالتْ على ذكرى جدّها ..
.. لا ترثيهِ .. بل تعيدُ إحياءهُ في ذاكرتها ..
.. لتضحكَ معهُ وتعيشَ الحلمَ والمستقبل البعيد كطفلةٍ خرافيّة ..
.. إنّي امــــرأةٌ .. قابعةٌ خلفَ سجنِ الذات ..
.. ولن تقبلَ بالإعدامِ كبديلٍ لحريّتها ..
.. ستثورُ في وجهِ السّيّافين وقطّاع الطّرقِ والرّؤوس ..
.. ستطلق اللعناتِ على الخطابات السّياسيّة والدّينيّة التي اقترفنا سماعها زمناً طويلاً ..
.. ستقصَّ شعرها لتصنعَ مشانقَ أشباهِ رجالِ اليوم ..
.. وتمتشقَ قلمها لتزيلَ أصداءَ السّيوفِ التي كساها الصّدأ .. في معاركَ لم تحدثْ بعد !
.. وتُسطِّرَ بالحبرِ دماً ..
.. على أجسادٍ عاشتْ دهراً كاملاً بلا أرواح !
.. سأكــــــونُ امــــــــرأةً ..
.. تفضّلُ مراقصة ظلّ الموتِ تحتَ المطر ..
.. على أن ترسمَ ابتسامةَ الصّمتِ والكبتِ ..
.. في لحظاتِ الوداعِ الأخير !
.. سأكــــــونُ امــــــــرأةً ..
.. لم تُولدْ منذُ قرون ..
.. ولن تُولد في هذا الكون !

شكرا على الموضوع الرااااائع اختي
تحياتي

شكرا لك على المرور الاروع
تحياتي

شكرا